دراساتصحيفة البعث

ماكرون.. رئيس بلد منهك

ترجمة: هيفاء علي
عن ليبراسيون 19/1/2020

أطلقت الشرطة الفرنسية الغاز المسيل للدموع وأوقفت 15 شخصاً يوم السبت 18 كانون الثاني 2020 بعدما عاد الآلاف من محتجي حركة “السترات الصفراء” المعارضة للحكومة للتظاهر في شوارع باريس.
وأطلق المتظاهرون هتافات ضد الشرطة والرئيس إيمانويل ماكرون ومشروعه لإصلاح أنظمة التقاعد، والذي أدّت التعبئة ضده إلى أطول إضراب لقطاع النقل شهدته فرنسا في العقود الأخيرة.
ويندرج التحرك في إطار التظاهرات الأسبوعية التي تجريها الحركة كل يوم سبت منذ تشرين الثاني 2018، وزاد زخمها مؤخراً بعدما انضم إليها معارضو مشروع إصلاح أنظمة التقاعد، حيث هتف المتظاهرون “الشوارع لنا”، و”ماكرون نحن آتون إليك، في منزلك”.
وتأتي التظاهرات في اليوم الخامس والأربعين من إضراب شمل السكك الحديدية وقطارات المترو، وأثار غضب الملايين ممن يعتمدون على وسائل النقل المشترك في تنقلاتهم خاصة في باريس. ويقول معارضو مشروع الحكومة إنه سيجبر ملايين الأشخاص على العمل لمدة أطول مقابل راتب تقاعدي أقل، فيما انضمت نقابات قطاع النقل إلى حركة “السترات الصفراء” التي تتهم ماكرون بالانحياز للنخب على حساب الشعب وأبناء الأرياف والقرى.
رغم ذلك كله يبدو أن ماكرون لن يستسلم لأنه ليس هنا كي يحكم حتى تتمّ إعادة انتخابه، ناهيك عن حياته السياسية. إنه لا يهتم بكل هذا، ولذا فهو لا يهتم بما يفكر به الناس أو يقولونه حول تراجع شعبيته أو حول مستقبله السياسي. ماكرون هو جندي من المرتزقة مفوّض من قبل الرعاة لخصخصة كل شيء جماعي وموحد في فرنسا. ولن تكون مكافأته هي إعادة انتخابه أو شغل مكانه في المشهد السياسي الفرنسي، وإنما الجلوس في جميع مجالس إدارة الشركات التي سيخصّصها لرعاته.
إنه ليس شيئاً سوى تابع ودمية يطيع الأوامر ويتصرف على مرحلتين: عن طريق نشر الفساد داخل الدولة الفرنسية في فترة رئاسة فرانسوا هولاند التي تمّ التلاعب بها بالكامل، ومن ثم أخذ ذريعة هذا الفساد لقيادة نهب الدولة بطرق ممنهجة ومنظمة. ولهذا السبب يسخر من كل هذه الفضائح المتكررة بشأنه وبشأن حكومته. ولهذا السبب لدينا حكومة “أزمة” نصف وزرائها من طبقة الأثرياء وأصحاب المليونيرات. ولهذا السبب يحتفظ برئيس الجمعية الوطنية رغم أنه في موضع الاتهام.
وهذا هو السبب في أنه وضع بلا خجل البلطجية على رأس الشرطة وسمح لها أن تكون مارقة. هذا هو السبب في أنه لا يستسلم ولن يستسلم لأي إضراب لأنه لا يعير أدنى درجة من الاهتمام لشعبه ولا للبلاد.. لا يهتم بالبؤس والفقر، ولا بالمتظاهرين الذين تعرّضوا للضرب المبرح من قبل رجال الشرطة، ومنهم من تعرض لبتر قدمه أو ساقه. سوف يفسد كل شيء حتى النهاية دون أن يستمع إلى أي شخص ومن دون روح، بل يفكر فقط في تكديس ثروته الشخصية التي يضمنها له كل إجراء ضد المصلحة العامة.
ولكن سوف يأتي يوم ويرحل مخلفاً وراءه بلداً مرهقاً ومستنزفاً، تجاوز الجميع ليدافع عن نفسه ضد أعنف أنظمة التمويل الليبرالية التي يمكن للمرء أن يتخيّلها، سوف يجعل الجميع يسقطون.
هذا هو السبب في أنه لم ولن يستسلم، الطريقة الوحيدة لجعله يستسلم هو أن نتمسّك بموقفنا ونكون أكثر حزماً وعناداً، فلم يعد بإمكاننا البقاء في الميدان السياسي. الحركة الوحيدة التي هزته هي “السترات الصفراء” لأنها هزمته سياسياً في ساحات الاحتجاجات وعلى الأرض حيث لم يكن يتوقع.
وأخيراً، يجب على هؤلاء الذين نقاتل من أجلهم حقاً، طلاب الجامعات وطلاب المدارس الثانوية المضي قدماً، علينا استعادة الجسور والطرق الدائرية ونشر المسيرات والمظاهرات في كافة المدن والبلديات لإجباره على تفريق وحل ميليشياته.. إنها مسألة بقاء البلد وبقاء الشعب.