دراساتصحيفة البعث

أي مستقبل للاتحاد الأوروبي؟

 

ترجمة: عناية ناصر
عن غلوبال تايمز 18/1/2020

ستغادر المملكة المتحدة في 31 كانون الثاني رسمياً الاتحاد الأوروبي، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الاتحاد الأوروبي التي تقرّر فيها دولة عضو الخروج. هذا القرار كان نتيجة للاستفتاء الذي اعتمده البريطانيون منذ ثلاث سنوات ونصف.
تأسف جميع الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي لهذا القرار البريطاني، الذي لم يكن له تأثير الدومينو. في المقابل، تُظهر جميع استطلاعات الرأي أنه لا توجد دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، باستثناء جمهورية التشيك، التي يميل أغلبية مواطنيها لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي. كان للمناقشات الصعبة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تأثير واضح على عضوية دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
لا يعني الإحجام عن اتباع السيناريو البريطاني أن الآراء العامة راضية عن الاتحاد الأوروبي، ففي جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، باستثناء ربما لوكسمبورغ الصغيرة والغنية، تشكّك الأحزاب الأوروبية في اليمين واليسار بقواعد الاتحاد الأوروبي، وأسباب تشكيك هذه الأحزاب بالاتحاد الأوروبي ليست متطابقة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
بعض الدول الأعضاء تنتقد الأحزاب المشكّكة بالاتحاد الأوروبي لكونه منظماً للغاية، أما في بلدان أخرى فيرفضون الاتحاد الأوروبي الذي هو نيوليبرالي للغاية. أخيراً، يعارض البعض النموذج الثقافي للمجتمع الذي يدعم الاتحاد الأوروبي القائم على التسامح والتعددية الثقافية والحدود المفتوحة. في بلدان مثل بولندا أو المجر، يعتبر المعارضون الرئيسيون للاتحاد الأوروبي، الذين هم في الحكومة الآن، أن الاتحاد الأوروبي قد جلب القيم الخاطئة لمجتمعاتهم.
على الرغم من هذه الاضطرابات، لا يزال الاتحاد الأوروبي موجوداً وسيظل كذلك. تتمثّل الإنجازات الرئيسية للاتحاد الأوروبي في السوق الموحدة والعملة الموحدة (اليورو) والسياسة التجارية. وتستفيد كل دولة عضو من هذه القواعد الاقتصادية، وهذا ما يفسّر، باستثناء قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سبب عدم رغبتها في المغادرة.
والسؤال الرئيسي بالنسبة للمستقبل هو: هل سيبقى الاتحاد الأوروبي (ربما يتوسّع ليضم الدول الأعضاء الجديدة في غرب البلقان) مؤسسة اقتصادية؟! وهل سيعزّز وحدته السياسية؟! الجواب غير مؤكد إذا ما أخذنا في الحسبان المناقشات في معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. إن المخاطرة الرئيسية لمستقبل الاتحاد الأوروبي ليست في الانهيار أو الاختفاء بل البقاء فقط منظمة للسوق.
بعض التغييرات في النظام الدولي لها تأثير ديناميكي على تسييس الاتحاد الأوروبي، وخاصة في مجال الدفاع. حالياً، لا يزال الأمن الأوروبي قائماً على قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية. معظم (وليس جميع) الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي أيضاً أعضاء في الناتو وتتوقع ضماناً أمنياً أمريكياً. ومع ذلك، فإن لدى الأوروبيين المزيد والمزيد لقبولهم -منذ الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بأن الولايات المتحدة أقل اهتماماً- بأمن أوروبا. وقد أدى انتخاب دونالد ترامب إلى قطع الشك باليقين داخل الاتحاد الأوروبي. هذا التغيير الأساسي في العلاقة بين ضفتي الأطلسي هو حافز للاتحاد الأوروبي للتفكير أكثر في استقلاله الاستراتيجي في مجال الدفاع.
مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يخسر الاتحاد الأوروبي فاعلاً رئيسياً في مجال الدفاع. لهذا السبب، تتمثّل رغبة فرنسا في الحفاظ على علاقات وثيقة مع المملكة المتحدة في المجال العسكري، لكن من الصعوبة بمكان دفع الدول الأعضاء الأخرى، مثل ألمانيا، إلى الاستثمار في قطاع الدفاع للوصول إلى استقلال استراتيجي حقيقي. حقيقة تظل المواقف الأمنية في الاتحاد الأوروبي، متأثرة جداً بالنموذج عبر الأطلسي. هذا هو الحال في ألمانيا وأكثر من ذلك في الدول الشيوعية السابقة مثل بولندا ودول البلطيق!.