تحقيقاتصحيفة البعث

تبحث عن فرصتها كوادر بشرية مؤهلة ومتعلمة في السويداء.. وإنعاش سوق العمل يسرع في استثمار طاقاتها

 

أكثر من ألفي مبادرة شخصية خلال أقل من ٢٤ ساعة من صغار التجار، والحرفيين، والصناعيين، والسائقين، وعامة الناس العادية جداً في السويداء لدعم الليرة، ومساعدة الأسر المحتاجة، حالة تفرض الوقوف عندها لما تحمله من جملة معان ودلالات لا تخلو من الوعي والمسؤولية التي يمتاز بها أبناء المحافظة التي استطاعت عبر العقود الماضية تطويع معادلة التعليم والفقر التي يصعب الموازنة بين حديها في الإطار العام، فالفقر يؤدي بالنتيجة إلى ضعف التعليم في المجتمع الذي يعاني منه، لكن محافظة السويداء استطاعت قلب البديهيات في تلك المعادلة لتقدم براهين أخرى لفرضيات استطاع أبناء تلك المحافظة إثباتها، فالكثير منهم تخرّج وهو يدرس على ضوء الشمعة، وأطباء كانوا يغادرون مخابر التدريب في كلياتهم إلى العمل في أكشاك، أو يعملون مندوبي مبيعات، وهم اليوم يحتلون مكانة هامة، ليس على الصعيد الوطني، بل على الصعيد العالمي في الكثير من الحالات، والسؤال هنا: كيف استطاع أبناء المحافظة تحقيق مكانة علمية هامة ومتميزة على مستوى القطر؟ وكيف تجاوزوا حالة الفقر التي تعاني منها محافظتهم؟ وما هي نقاط الضعف والقوة في نموذجهم هذا؟.
تكافل اجتماعي
قد تكون حالة التكافل الاجتماعي أحد عوامل القوة التي يتميز بها أبناء المحافظة، وبدت الحالة واضحة بشدة خلال الأيام القليلة الماضية، الإعلامي معين حمد العماطوري يقول: بدأت المبادرات الاجتماعية والاقتصادية والوطنية من أصحاب المنشآت والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومكاتب “التكسي”، ومن الأدباء والمثقفين، ومن فعاليات اقتصادية وتجارية، وكل من يستطيع دعم الليرة بالمبادرات وفق استطاعته دلالة على عشق أبناء الوطن لوطنهم، وحبهم للانتماء إلى الوطن الأم سورية، أم الحضارات وكرامة العالم، وشعبها شعب مقدام انتمائي يعشق ترابها، وجيشها البطل حامي حماها، وقائدها المقاوم الصنديد في زمن الإرهاب.
نموذج يحتذى
ومن النماذج الهامة التي يمكن الوقوف عندها في حديث التعليم والفقر بلدة رضيمة اللوا في اللجاة التي تعايش أهلها مع الصخور، منها تعلّموا الصلابة والقساوة ومرارة العيش، إلا أن ذلك لم يثنهم عن تطوير ذاتهم بإمكانيات لا تتعدى أن توصف بالمتواضعة، وهي اليوم تعد بمصاف القرى والبلدات الأكثر إنتاجاً للشهادات العلمية بمختلف اختصاصاتها، وتعتبر نسبة التعليم فيها مرتفعة جداً، ليس على مستوى المحافظة فحسب، بل على مستوى القطر، فكما هو معروف محافظة السويداء تعتبر في مقدمة المحافظات من الناحية العلمية الثقافية، وقرية رضيمة اللوا التي أخذت نسبها من أمها اللجاة، ومن أبيها وادي اللوا، في طليعة قرى المحافظة تعليمياً وثقافياً نسبة لعدد السكان الذي لا يزيد عن 1400 نسمة، فعدد الشهادات الجامعية فيها قرابة 360 شهادة، بينها دراسات عليا في مختلف الاختصاصات العلمية والأدبية، حيث أنجبت عشرات الأطباء، والمهندسين، والمحامين، والإعلاميين، وخريجي مركز البحوث، والأساتذة، وغيرهم، فأطباؤها يزيدون عن 30 طبيباً، وشهرة بعضهم فاقت الأصقاع، وكذلك لقضاتها ومحاميها الذين تبوؤوا مواقع هامة على ساحة العمل القضائي في سورية.
كما تفخر رضيمة عبر تاريخها بأنها أنجبت رجالات أسهموا في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية في سورية، فخرج منها وزراء، وسفراء، وشعراء، وعلماء، وعدد الذين حازوا على شهادة الدكتوراه في شتى العلوم يصل إلى 12 دكتوراً جامعياً بين جامعة دمشق وجامعات أوروبا، فضلاً عن أن فيها أول شهادة حقوق وهندسة زراعية في المحافظة، وبلدة الرضيمة ليست النموذج الوحيد، لكنها الأكثر تميزاً، ولكن هذه الحالة يمكن إسقاطها على معظم قرى وبلدات محافظة السويداء، وإن اختلفت النسب، وكان لعدم توفر فرص عمل مناسبة للشباب والشابات دور في توجه أبناء المحافظة للتعليم بهدف تطوير الذات وتحسين الحال، فكانت سلبيات البطالة إيجابية بارتفاع نسبة التعليم، وبالمقابل كانت هناك هجرة للخارج في ظل عدم القدرة على استثمار هذا الخزان البشري المتعلّم.
أسرة متوازنة
ومن الخصائص الديمغرافية الأخرى التي تتميز بها محافظة السويداء تراجع النمو السكاني مقارنة مع باقي المحافظات، مقتربة بذلك من معدلات الدول الأوروبية، حيث اختارت النسبة الأكبر من عائلات الجبل المحافظة على التقليد المتبع في العقدين الأخيرين بالحد من الولادات، فاكتفى ما يقارب من 58 ألف أسرة بولد أو ولدين، وهو عائد أساساً للتطور العلمي الكبير، يقابله في الوقت نفسه الوضع المادي الصعب الذي تعانيه الأسر المتعلّمة والموظفة، خاصة مع تدني قيمة الرواتب، فيما فضّل آلاف آخرون الاكتفاء بولد واحد.
وإذا أضيفت نسبة الأزواج الذين لم يحالفهم الحظ بالإنجاب، أو الذين لم ينجبوا بعد البالغ عددهم 20800 أسرة، يصبح لدى نسبة 65%، أي لدى ثلثي سكان الجبل ولدان وأقل، ما يعني ضعفاً كبيراً في الإنجاب، ومع الزمن سوف تصبح الهوة ساحقة بين الأطفال والكبار، ما يدعو للبحث عن أيد عاملة وشابة.
أما الحدث الديمغرافي الأهم الذي تعيشه محافظة السويداء فهو انفتاح النافذة الديمغرافية، أي أن النسبة الأعلى من السكان من الشباب الذين دخلوا سوق العمل، ولكن تحولت هذه النعمة إلى نقمة في ظل عدم وجود فرص عمل لاستقطاب هذه الأيدي العاملة التي تمتاز بأنها متعلّمة وخبيرة.
على التخطيط السلام
يبقى المهم كيفية استثمار هذه الحالة المتقدمة من ارتفاع نسبة التعليم بين أبناء المحافظة للقضاء على الفقر الموجود بين عدد كبير من أسرها، وإن كانت هناك أسر تعيش حالة من الرفاه، أو ما يسمى الترف نتيجة الاغتراب، ولكن تبقى الحالة الأعم هي الحاجة التي يجب العمل على التخلص منها من خلال استثمار الكوادر البشرية الموجودة في المحافظة، وهي كوادر متعلّمة متدربة سريعة الاستيعاب وتطوير الذات، وقادرة على إدارة مشاريع إنتاجية فيما لو أضيفت هذه الخاصية على خاصية أخرى توفر مقومات الاستثمار في كافة مجالاته في المحافظة، وهي ثنائية يجب العمل عليها والتسويق لها لتحقيق الأهداف المرجوة من العملية التعليمية بشكل عام، فهل سيكون هناك اجتماع حكومي في المحافظة لبحث المشاريع التي يمكن البدء بإطلاقها بشكل يستقطب تلك الأيدي العاملة قبل فوات الأوان؟.
رفعت الديك