دراساتصحيفة البعث

فرصة الاتحاد الأوروبي للاعتراف بفلسطين

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

بغضّ النظر عن كيفية محاولة الولايات المتحدة تأجيج النار، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقود المجتمع الدولي إلى حلّ النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي والوقوف في وجه المستوطنات غير القانونية.

بعد ما يقرب من عامين، اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين 20 كانون الثاني، لتكون قضية فلسطين على جدول الأعمال رسمياً لمناقشة الرسالة التي وقّعها وزير خارجية لوكسمبورغ  جان أسيلبورن، والتي تدعو إلى الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين. أمام هذا الطرح لا تزال حكومة نتنياهو الإسرائيلية متيقنة أن أوروبا لن تتخذ أي إجراء ضدها، وهي التي تعتمد على الحكومات الأوروبية الفردية في إفشال التوصل إلى توافق في الآراء بشأن محاسبتها على مدى عقود من الانتهاكات المنهجية للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

إن الأمر الذي تسعى إليه كلّ من إسرائيل وإدارة ترامب هو إنكار حقوق الفلسطينيين للأبد واعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس كعاصمة لإسرائيل. ففي كانون الأول عام 2018 سلّط الضوء على عدم وجود إجماع أوروبي على مسائل السياسة الخارجية المتعلقة بإسرائيل وفلسطين.

أمام أوروبا فرصة لتعزيز دورها في صنع السلام من خلال الاعتراف بدولة فلسطين، فهي على مدار العقود الأربعة الماضية كانت تبحث عن سبل لدفع عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وفي الإستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي لعام 2017، طالب الاتحاد الأوروبي بالتعاون الوثيق مع اللجنة الرباعية والجامعة العربية وجميع أصحاب المصلحة الرئيسيين للحفاظ على آفاق حل الدولتين القابل للتطبيق، كما عبّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء الوضع المستمر في الشرق الأوسط والتحركات المثيرة للجدل من جانب الأطراف المعنية.

منذ أربعين عاماً، وقّعت الدول الأوروبية على إعلان البندقية الذي دعا أوروبا إلى “العمل بطريقة أكثر واقعية نحو تحقيق السلام”، وأكدت تلك الدول من جديد عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية وحق الفلسطينيين في تقرير المصير.

ومع المساهمات الأوروبية في عملية بناء المؤسسات في فلسطين يمكن التدخل السياسي والدبلوماسي للحفاظ على احتمالات سلام عادل ودائم، فالتحرك نحو ضمان حقوق الشعب الفلسطيني سيحقّق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ويحمي الركائز الأساسية لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

لقد نجحت أوروبا بالفعل في مقاومة محاولات إدارة ترامب تغيير الاختصاصات لإيجاد حلّ بين إسرائيل وفلسطين، لكن على مدار أكثر من ثلاث سنوات في عهده عاشت أوروبا شللاً دبلوماسياً بشأن فلسطين، حيث حاولت واشنطن وضع سوابق خطيرة للعلاقات الدولية، واستمرت العلاقات الإسرائيلية الأوروبية في النمو على نحو يكافئ إسرائيل واستمرارها في انتهاك حقوق الإنسان. ومع استمرار الحكومة الإسرائيلية في ضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة، كانت بعض الحكومات الأوروبية تضغط على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بما في ذلك قرار عام 2016 الذي يدعو إلى إصدار قاعدة بيانات للشركات المشاركة في الاحتلال.

“لن ينتهي هذا الاحتلال الاستعماري الاستيطاني بحكم النوايا الحسنة لإسرائيل بل بالطريقة الملموسة نحو السلام”، كما ذكر في إعلان فينيسيا لعام 1980 وذلك ما يجب ترجمته إلى واقع سياسي جديد، وهو حقيقة احترام أوروبا حق فلسطين في الوجود، ووضع تدابير ملموسة لإخضاع إسرائيل للمساءلة عن انتهاكاتها المنهجية للقانون الدولي.

إن حق فلسطين في تقرير المصير ليس مطروحاً للتفاوض، لكن تقييد الاعتراف بفلسطين حتى استئناف عملية السلام يعني منح الفلسطينيين حقهم في أن يكونوا أحراراً من إرادة إسرائيل. وعلى الرغم من بعض التطورات المهمّة، بما في ذلك احتمالات إجراء تحقيق جنائي دولي بالجرائم المرتكبة في فلسطين، فإن الرسالة الرئيسية التي تلقتها إسرائيل من معظم الحكومات الأوروبية هي أنها لا توافق على سياساتها لكنها لن تتخذ أي إجراء!.

مازال الشعب الفلسطيني ينتظر قيام أعضاء الاتحاد الأوروبي بالوفاء بقرار محكمة العدل الأوروبية بشأن تسمية منتجات المستوطنات، وأقل ما يتوقعه وما زال يطالب به هو فرض حظر كامل على التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية الاستعمارية غير القانونية.

تهدف إستراتيجية إسرائيل لتجنّب أي دور للمجتمع الدولي في منع قيام دولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967، ولا يعتبر الاعتراف الأوروبي بهذه الدولة مسؤولية أوروبية فحسب، بل طريقة ملموسة للتحرك نحو سلام عادل ودائم.

لكن حتى الاعتراف بفلسطين بحدّ ذاته لن ينهي الاحتلال الإسرائيلي، لكنه خطوة حاسمة تحترم حق فلسطين في تقرير المصير، وهو خطوة تقدم احتمالات عملية سلام هادفة تستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتؤكد من جديد أهمية المبادئ الأساسية للمجتمع الدولي.