صحيفة البعثمحليات

مع الإقبال الشعبي والتسابق العفوي على المشاركة مبادرات وحملات دعم الليرة.. وعي جمعي تعكره منغصات العروض الوهمية

 

 

مرة جديدة يثبت السوريون أنهم عملة صعبة في وجه المؤامرات على اختلاف أشكالها، متسلحين بالصمود والإرادة رغم تسع سنوات حرب إرهابية واقتصادية، مع مسلسل من العقوبات الجائرة ومحاولات يائسة للنيل من هذا الصمود عبر عدوان من نوع آخر وحرب إعلامية تدار من الخارج، لضرب الاقتصاد الوطني وخاصة بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري على أرض الميدان، ليقول المجتمع كلمته ويدهش العالم من خلال حالات استثنائية في ظروف استثنائية، وآخرها الحملة الشعبية “ليرتنا عزتنا” التي أعلنها السوريون، كمعركة تحدٍّ يرسمون من خلالها لوحة تجسّد الوعي الجمعي السوري في الأزمات، وتشهد المحافظات تفاعلاً منقطع النظير مع الحملات الوطنية لدعم العملة الوطنية.

معادن الفعاليات
وما ميّز الحملة أنها انطلقت من المجتمع المحلي بشكل عفوي بعيدة كل البعد عن التوجّه الحكومي الذي بقي صامتاً طوال أيام الحملة ولم يخرج بأي تصريح، وبقيت الحملة مستمرة وتعيد الألق لليرة شعبياً وتبعث على التفاؤل من جديد وتحرّك الأسواق الخيرية وتكشف معادن الفعاليات الأصلية، وأمام الشعور بالمسؤولية رغم ضيق الأحوال المعيشية وغلاء الأسعار واحتكار التجار، شكّلت الحملة حالة جمعية تشحذ الهمم وتحرك الأسواق الراكدة وتحتل صدارة أحاديث السوريين في كل مكان وزمان، فاستبدلوا تحية صباح الخير بصباح الليرات وبدأت رحلات البحث عن الليرة من حصالات الأطفال إلى صناديق الكبار، لتنهال عروض المحلات التجارية وكل عرض بليرة ليصل الأمر إلى الذهب والسيارات وغيرها.

طرائف الحملة
ولم تخلُ الحملة من الدعابة والطرافة في عمليات تداول الليرة المعدنية من خلال علاقة الأهل مع أولادهم الذين باتوا يطالبون بالليرة بدل الـ200 ليرة، أو من خلال ظهور العديد من” النكات” على مواقع التواصل الاجتماعي حول اقتناء الليرة ومساهمتها في الخطوبة والزواج والحصول من خلالها على ما لم يكن بمقدورهم الحصول عليه من قبل.
ويؤكد التجار أن الحملة حركت الأسواق بشكل عام مع وجود العروض التي شهدت ازدحاماً، ما أدى إلى تنشيط السوق واستقطاب الزبائن لشراء أحد الأصناف بليرة واحدة إلى جانب شراء صنف آخر بسعره الحقيقي.
ويعتبر أحد المشاركين أن هذه المبادرة الشعبية تشكل أيضاً خطوة مهمة في إعادة الثقة وتعزيز قيمة الليرة السورية، ولم تقتصر الحملة على تجار ومحال ومبادرة أهلية بل بدأت غرف الصناعة والفعاليات بتنظيم العروض وطرح بضائع بقيمة ليرة واحدة.

بناء ثقة
ومع تقليل بعض خبراء الاقتصاد من جدوى الحملة على الوضع الاقتصادي لأنها لا تؤدّي إلى انخفاض في الأسعار ولا تترك آثاراً اقتصادية حقيقية على سعر الصرف والوضع المعيشي، إلا أن الحملة تكتسب أهمية كبرى على الصعيد النفسي والمعنوي لبناء الثقة في عملتنا الوطنية التي نعتز بها حسب رأي الأستاذ الجامعي الدكتور أحمد دعاس الذي دعا عبر “البعث” إلى إجراءات حكومية فعالة تدعم الحملة من خلال تأمين العملة النقدية من فئة الليرة للمواطنين بطرق مناسبة، مؤكداً دور الإعلام في هذه الظروف ومدى رفع الروح المعنوية في ظل الحرب الاقتصادية من مختلف النواحي كالحصار ومحاولة إحباط المواطن وخلق فجوة بينه وبين عملته الوطنية، إضافة إلى ضعاف النفوس الذين يتلاعبون بقوت المواطن.

زرع الأمل
ويتفق المتابعون على ضرورة أن يتزامن كل هذا الحراك مع إجراءات حكومية حقيقية لمراقبة التجار والمستوردين والمنتجين المحليين وإلزامهم بتخفيض الأسعار، بما يوازي سعر الصرف الخاص بتمويل المستوردات وضبط الأسعار من خلال وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ومديرياتها في المحافظات، إلى جانب الجهات الرقابية الأخرى.
وأشار باحثون اقتصاديون إلى أن المواطن السوري (الفريد من نوعه) رغم كل الصعوبات المعيشية السيئة جداً التي قد تكون كارثية، مؤمن بوطنه وبأنه هو شخصياً يمكن أن يحدث الفرق ويعيد البناء الوطني، معتبرين أن الحملة نقلت المواطن من حالة الإحباط إلى زرع الأمل، وخاصة بعد صدور المرسومين وقرار المركزي الأخير بتوضيح حول تداول العملة النقدية من فئة الليرة.

منغّصات الحملة
ومع الإقبال الشعبي والتسابق العفوي على المشاركة بالمبادرات لم تسلم الحملة من منغصات عدة كالعروض الوهمية من بعضهم والتحايل على المواطنين، حيث وجدها بعض التجار فرصة للترويج والدعاية المجانية وخاصة عبر صفحات التواصل الاجتماعي والطلب بمشاركة العرض على أكثر من صفحة وتعليق، ليضمن المشترك ربحاً من المنتجات يصل إلى أدوات منزلية غالية الثمن أو حتى سيارة حديثة بليرة حسب ادعائهم، إضافة إلى شروط تعجيزية من أصحاب الفعاليات كعرض سيارة بمليون ليرة من فئة الليرة المعدنية، ليهمس متابعون مازحون بأن عروض بعض الفعاليات التي وصلت إلى أكثر من مليون قطعة نقدية من فئة الليرة قادرون على شراء السيارة التي يصل سعرها الحقيقي إلى 15 مليون ليرة.

عرضة للتلاعب
وتبقى في النهاية حملة ليرتنا عزتنا الكلمة الصادقة من المواطن العفوي الذي سبق كل التجار والصناعيين ورجال الأعمال ليكون المبادر الأول، ويرى متابعون أن نجاعة حملات كهذه تكون بتخفيض الأسعار وتقديم العروض بأسعار رمزية وليس من الضروري أن تكون ليرة واحدة فقط، ما يترك أثراً فاعلاً على الحياة المعيشية ويخفف الأعباء، إضافة إلى عدم وضع المواطن عرضة لتلاعب ضعاف النفوس من التجار الذين يقومون بمبادرات لتصريف بضائعهم الفاسدة، كما جرى في بعض المحافظات حسب تأكيدات مديريات حماية المستهلك.
علي حسون