ثقافةصحيفة البعث

أحمد العجة: الشعرُ ما زالَ بخير

 

 

حين أراد تعريف القارئ بنفسه أجاب الشاعر أحمد العجة: “ما أنا إلا فتى تقتاتُ روحُه القصائد، أهوى الحبَّ والجمال، وأرى في الشعر متنفساً لي، أكتبُ لأنَّ القصيدةَ تأتيني وتستلقي أمامي وكأنها تقولُ لي: “هيتَ لك” مشيراً في حواره مع “البعث” بعد أن شارك في أمسية شعرية أقيمت مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة إلى أن أواخر العام 2019 شهدت نشاطاً شعرياً كبيراً له، حيث اعتلى منابر مهمة في دول مختلفة كتونس، وشارك في عدة مهرجاناتٍ ومسابقاتٍ شعرية كمسابقة نواة في لبنان ومسابقة مهرجان القيروان للشعر العربي في مدينة القيروان العتيقة.

ما أهمية هذه النشاطات والأمسيات الشعرية بالنسبة لك؟
لهذه النشاطات أهمية كبيرة لأي شاعرٍ همُّه أن يصل صوتُه وفكرُه إلى الناس كافة، ولا يخفى أن التلقي للشعر يكونُ على مقدارِ المتلقي، ففي المهرجان الذي يضمُّ عدداً كبيراً من الشعراء تصلهم قصائدي بتفاصيلَ تخفى عن المتلقي العادي، حيث يبقى المتخصص في المجالِ مالكاً ما لا يملكه غيره، هذا بالإضافةِ إلى أنني في كلّ مرّة ألتقي وجوهاً وآذاناً جديدةً وعقولاً فريدةً فأرى ثقافةً مختلفة أتعلَّمُ منها وأستقي وأسقي، وهذا بحدّ ذاته متعة لي وللشعر، لذلك فإن الأمسيات الشعرية هي صلةُ الوصل بيني وبين الجمهور وسبيلُ اطلاعِهِم على كل جديد من كتابتي، وفي هذه الفترة أعتبر أنه من الضروري أن أكثفَ الأمسيات الشعرية، خصوصاً في وقتٍ لم تعُد فيه الأمسيات الشعرية سوقاً رائجاً للذائقة الشبابية.
كشاعر كيف يتحقق التواصل الحقيقي مع الجمهور؟
*الشاعرُ في النهايةِ فردٌ في المجتمع يتواصلُ معه كأيِّ فردٍ يتواصلُ مع المجتمع، وكما قالَ الأديب وليد سيف في كتابه “الشاهد المشهود”: “بقدرِ ما تكونُ شاهداً بقدرِ ما تكونُ مشهوداً” فعلى كلّ فرد -والشاعر على رأسهم- أن يكونَ قريباً من الناسِ، همُّهُ همُّهم، يتكلَّمُ بلسانهم، فهوَ في النهاية تُرجمانٌ لأحاسيسهم وأفكارهم، أمّا أن يعتقدَ أنَّهُ المُختارُ المُنزَّلُ فهذه مصيبة لا تودي به إلّا إلى بُرجِه العاجيِّ المزعومِ، حيثُ لا يرى أحداً ولا أحدٌ يراه.
لم تصدر ديواناً حتى اليوم، فما هي الأسباب؟
لا يخفى على أحدٍ أنَّ الشاعرِ يحبُّ أن تصل قصيدتُهُ إلى أكبر عدد ممكن من القرّاء وأن تحظى بأسماعهم، ولكنني أرى أنَّ العصرَ اليومَ للأذن والعينِ أكثرَ منه للصفحات، خاصة بعدَ ثورة المعلوماتية وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا لا يعني أنَّني لا أود إصدارَ ديوانٍ لي، لكنَّ الأمر ليسَ من أولوياتي، ولا بدَّ منه، وسيحدث قريباً.
ماذا عن خصوصية النشر الالكتروني؟ وهل يمكن أن يكون بديلاً حقيقياً عن النشر الورقي؟
لا أعتبرُه بديلاً، فلا شيءَ يأخذ مكانَ الورقِ ورائحة الورقِ الممزوج بالشعر، لكنَّهُ منافسٌ لا يمكننا إغفالُه في هذا العصر، لذلك فإن أكثر ما أنشُرُه مصوَّر، وهذا بحد ذاته مع تاريخ نشره أعتبرُه احتفاظاً بحقوق الملكية.
هل تؤيد من يقول: كثر الشعراء وقل الشعر؟
في الحقيقة إن صحَّ القولُ فقد قلَّ الشعراءُ والشعر لأنَّ أدعياءَ الشعرِ ليسوا ضمنَ المعادلة أصلاً حتى نعتبرهم شعراءَ في هذا العصر، والشعرُ على قلَّتِه ما زالَ بخير، لكنَّ الناسَ والمجتمعَ من زاوية الشعر فقط ليسَ بخير، فالمشكلة مشكلةُ اهتمامٍ من القرّاءِ أو الجمهورِ قبلَ أن تكونَ مشكلة شعراء، ولا يخفى على أحدٍ أنَّ الشاعرَ يُبدعُ ويزيدُ من نتاجه الشعريِّ إذا لقيَ تفاعلاً مع الغير.
تقول: “نزّهوا الشعر عن أن يكون وسيلة.. إنه الروح”، فماذا عن وظيفة الشعر برأيك؟
نعم، لقد قابلتُ في حياتي الكثيرَ ممن يسعون وراء الشهرة على حسابِ الشعر ويمتطونَهُ للوصول إلى عدّة غايات، وهذا ما قصدته بتنزيه الشعر عن أن يكونَ وسيلة.. نعم، هوَ روحٌ تبقى بعدَ فناءِ صاحبه.. إنَّه محرِّكُ القلوب وموجه العقول ومغيِّرُ الآراء وزارعُ الفِكَر ومؤججُ المشاعر، له كثيرٌ من الأهداف إذا أحسنَ الشاعرُ الحقيقيُّ استخدامَه، لكنه ليسَ وسيلةً لأيِّ مأرَب.
اللغة الشعرية ليست سهلة فكيف تتعامل معها ومعروف عنك عنايتك الخاصة باللغة الشعرية؟
إنَّها ليست سهلة بالتأكيد، ليس فقط في هذا العصر، بل إنَّ الشعرَ يخوضُ تحدّيا منذُ أقدم القصائد التي وصلتنا.. إنَّهُ لغةُ الإدهاشِ والصُّوَر وحسنِ البيان واختيارِ المفردةِ الأنسب والجرسِ الموسيقي والمعنى العميق واللغة السهلة.. إنَّهُ معادلةٌ معقَّدة، السَّهلُ الممتَنع، وخصوصاً في هذا العصر، حيثُ أنَّ القارئ لا يُتعبُ نفسَه بأن يلبس بدلة الغوصِ ليغوصَ في أعماقِ المعنى، ولهذا أتعاملُ مع الشعر بعنايةٍ وحذرٍ ودقّةٍ وتعب.
لقصيدتك “تفاصيل على أسوار الغربة” خصوصية، فماذا عنها؟
لقد سكبتُ فيها جزءاً من روحي، أحببتُها أنا أولاً، وأحبها الجمهور لأنها لامَسَتْه، خاصَّةً أنها جاءت في وقتٍ كثُرَ فيه الاغترابُ وطالَ كُلَّ عائلةٍ ومنزل.
يبدو تأثرك الواضح بالشعر العربي القديم، فكيف تترجم هذا التأثر بشكل يخدم قصيدتك التي تكتبها اليوم؟
بدأتُ أولَ ما بدأتُ بالقراءة لأبي تمام، وقد أصابتني عدواه بالمقاصد البعيدةِ التي يشتهرُ بها من شعره، وتأثرتُ بالكثير غيره كالمتنبي والنابغة.
الشعر لغة القلب والعاطفة، وتعددت أطياف هذه اللغة لتشمل تفاصيل الحياة اليومية فكيف توازن بين ذلك؟
على الشعر أن يعالج القضايا الاجتماعية والحياتية والقلبية والشعورية وغيرها، أما عن الموازنة بين ذلك وبين أن الشعر هو لغة القلب والعاطفة فأقول إن مهمة الشعر في كلِّ عصرٍ هو نَثرُ الجمالِ في كلِّ دربٍ يمرُّ به، فإذا ناقش قضايا معتمةً هنا أو هناك فكي يحولها إلى شيء جميل في عين المستمع أو ليعالجها فيصبح واقعُ الناس أجمل.
تنتمي لجيل الشعراء الشباب، فكيف تقيّم ما يقدمونه؟
جيلُ الشبابِ هو جيلُ الطاقات، جيلُ الذَّكاء، ولكنني لستُ متفائلاً فيما يستثمرونَ به ذكاءهم.. الذائقة في تراجع، وما كانُ يُطرِبُ الشابَ في الماضي أصبح اليومَ محضَ حديثٍ عابرٍ لا يسدُّ مسدَّ التكنولوجيا التي تأكلُ يديهِ أكلاً، جيلٌ يملكُ الكثيرَ من الميزات وستُثمِرُ لو أنَّهُ وظَّفها بالطريقة الصحيحة.
أمينة عباس