دراساتصحيفة البعث

أوروبا تنأى بنفسها عن الولايات المتحدة

 

ترجمة: عائدة أسعد
عن موقع غلوبال تايمز 24/1/2020

استمرّ لقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمدة أربع ساعات تقريباً، وذلك خلال زيارتها لموسكو في 11 كانون الثاني الجاري. ووفقاً للمعلومات التي كشفت عنها السلطات الألمانية والروسية كان جو الاجتماع ودياً على عكس المواقف غير المبالية خلال اتصالات الزعيمين على مدار السنوات الخمس الماضية.
وأكد الزعيمان على الأسس المشتركة وحقّقا نتائج مثمرة، حيث أعرب بوتين عن دعم موسكو لبرلين لاستضافة محادثات وقف إطلاق النار في ليبيا، وبالفعل تكلّلت قمة برلين في 19 كانون الثاني بالنجاح.
في الآونة الأخيرة، بدأ النقاش في أوروبا يدور حول من هي مشكلة القارة الأكبر الولايات المتحدة أم روسيا؟ وقدمت ميركل إجابتها من خلال دبلوماسيتها.
لقد ركزت القمة بين ميركل وبوتين على القضايا الملحة، بما في ذلك الحرب المستمرة في ليبيا، وتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، والصراع الأوكراني وخط أنابيب الغاز نورد ستريم 2. من هنا يمكن اعتبار زيارة ميركل “تطرية” للعلاقات بين ألمانيا وروسيا، وبين أوروبا وروسيا بعد تجميد العلاقات بينهما منذ عام 2014.
في الوقت الحالي، الولايات المتحدة هي القضية الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للاتحاد الأوروبي بعد تعرضه للتخويف والتجاهل، ولا يوجد أمام الاتحاد الأوروبي بديل سوى الاقتراب من روسيا.
من الناحية الاقتصادية تسبّبت تبعية  الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة في فرض العقوبات على روسيا منذ عام 2014 بخسائر فادحة للدول الأوروبية. وبحسب خبير اقتصادي في معهد كييل للاقتصاد العالمي -وهو مركز أبحاث مقره ألمانيا- أن الاقتصاد الألماني فقد نحو 727 مليون دولار من الصادرات نتيجة لفرض عقوبات على روسيا وما يترتب على ذلك من عقوبات مضادة فرضتها موسكو.
وفي الوقت نفسه يشعر الأوروبيون بقلق متزايد من أن روسيا ستنفّذ مزيداً من التعاون الاقتصادي مع الصين، ما يعني أن أوروبا لن تكون قادرة على استعادة أسواقها المفقودة، كما زاد من غضب ألمانيا فرض الولايات المتحدة عقوبات على خط أنابيب نورد ستريم 2 دون النظر في التأثير على حليفتها الأوروبية. وفيما يتعلق بالدبلوماسية والأمن تدفع الولايات المتحدة الشرق الأوسط عمداً وتعسفاً إلى حافة حرب واسعة النطاق تهدّد الأمن الجيوسياسي لأوروبا.
في العامين الماضيين كانت أوروبا تتوقع أن تغيّر الولايات المتحدة رأيها وتأخذ مصالح حلفائها الأوروبيين في الاعتبار، لكن ميركل الزعيمة الأذكى في أوروبا أدركت أنه يتوجب على القارة أن تعتمد فقط على نفسها عندما يتعلق الأمر بحماية أو متابعة المصالح، وهذه المرة عندما وقعت غرب آسيا وشمال إفريقيا في أزمة عميقة اختارت أن تسافر إلى موسكو بدلاً من واشنطن لإجراء مشاورات.
إن لعب الورقة الدبلوماسية يمكن أن يساعد ميركل في تعزيز دور ألمانيا المؤثر في الشؤون الدولية وتقليل الضغط الذي تواجهه محلياً.
لقد ارتفعت الأصوات التي تشكّك وتعارض العقوبات ضد روسيا في ألمانيا، وتمّ الإجماع بين مختلف الأطراف على أن العقوبات لم تغيّر من سلوك روسيا ويجب على برلين وبروكسل إعادة تقييم سياساتهما تجاه روسيا، وهكذا يمكن اعتبار زيارة ميركل الأخيرة استجابة للضغط الداخلي.
إن قمة ميركل- بوتين في موسكو تشير إلى أن سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه روسيا قد تتغيّر، وأن بروكسل قد تخفّف العقوبات ضد موسكو مما يمهّد الطريق للمصالحة بين أوروبا وروسيا، وتحت ضغوط متزايدة تصعّدها واشنطن يمكن أن تزيد “تطرية” العلاقات بين بروكسل وموسكو من قوة الاتحاد الأوروبي عند التفاعل مع الولايات المتحدة، وبالطبع هذا ما لا ترغب واشنطن برؤيته.