دراساتصحيفة البعث

الغرض من الوجود الأمريكي في العراق

 

سمر سامي السمارة

لم يكن إعلان الولايات المتحدة في العام 2019 “سحب” قواتها من سورية، إلا بغية نقلها إلى العراق، الذي أصبح المكان الرئيسي لترسيخ الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة ضد إيران وروسيا والصين، إذ اتخذت الولايات المتحدة هذا القرار في أعقاب التراجع السريع لمجال مناوراتها في سورية.
وقد كان لاغتيال سليماني في غارة أمريكية بطائرة مسيّرة من داخل العراق الدور الكبير في تسليط الضوء على الغرض الرئيسي للوجود العسكري الأمريكي في العراق، والمتمثّل بـ”احتواء” إيران بدلاً من “تدريب” القوات العراقية أو التصدي للعمليات الإرهابية التي تشنّها “داعش”.
على الرغم من أن “داعش” لم يعد يسيطر على أراضٍ في العراق، وأنه لا يوجد سوى بعض الجيوب المتبقية حيث يمكن ملاحظة نشاطه، فإن رفض مايك بومبيو قرار البرلمان العراقي المتعلق بطرد القوات الأمريكية يؤكد دون أي شك أهداف الولايات المتحدة المبيتة.
لم يكن إيلاء الرئيس الأمريكي اهتماماً خاصاً لاجتماعاته مع الزعماء العراقيين على هامش منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، حيث التقى بالرئيس العراقي برهم صالح ، محاولة منه لإيجاد بوابة لوجود عسكري أميركي مفتوح لا نهاية له في العراق فحسب، بل كعامل رئيسي أيضاً في تحقيق استقرار لمكانة الولايات الأمريكية المتراجعة في الشرق الأوسط.
ولكي تتجنّب الولايات المتحدة، هزيمة تشبه هزيمتها في سورية، كان من الضروري دائماً تعزيز موقعها وموقف العناصر الموالية للولايات المتحدة في العراق.
ومع ذلك، فإن حقيقة رفض الولايات المتحدة بشكل صارخ الالتزام بقرار البرلمان العراقي بسحب القوات الأمريكية، يعني أنها قد فقدت بالفعل أية شرعية كانت تملكها، وأصبح الوجود الأمريكي في العراق بالفعل احتلالاً غير قانوني للبلد، وهو ما يشبه بقوة طبيعة الوجود الأمريكي في سورية.
وبينما يزعم بومبيو أن الولايات المتحدة مستعدة لإعادة التفاوض بشأن شروط الوجود العسكري الأمريكي، إلا أن ذلك لا يغيّر طبيعة هذا الوجود، فالاتفاق الذي كان يشير إليه بومبيو هو اتفاق تنفيذي، لم يصادق عليه البرلمان فعلياً، وبالتالي عدم المشروعية الكاملة للوجود العسكري الأمريكي في العراق.
أوضح بيان وزارة الخارجية الأمريكية، حول مسألة انسحاب القوات الأمريكية، أن الغرض من هذا الوجود، الذي كان في الأصل محاربة “داعش” وفقاً للاتفاقية التنفيذية بين الولايات المتحدة والعراق، قد خضع بالفعل لتغيير. وقال البيان: “في هذا الوقت سيتمّ تكريس أي وفد يتمّ إرساله إلى العراق لمناقشة أفضل طريقة لإعادة الالتزام بشراكتنا الإستراتيجية، ليس لمناقشة انسحاب القوات، بل لموقفنا المناسب من القوة في الشرق الأوسط”.
كما هو واضح، تبحث الولايات المتحدة ببساطة وبشكل واضح عن طرق ووسائل لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط عبر العراق. وبعبارة أخرى، فإن الوجود المحدود في العراق الذي تفاوضت عليه البلاد مع الولايات المتحدة في عام 2011 قد تحوّل بالفعل إلى وجود استراتيجي.
في حين أن مثل هذا الوجود سيمهّد الطريق أمام قوات الحشد لشنّ هجمات على القوات الأمريكية، كما أنه سيتيح للولايات المتحدة تحريكَ العناصر الموالية لها في العراق للإطاحة بالعناصر المعادية واستبدالها بفصائل موالية لها.
بعبارة أخرى، لقد تحوّل العراق بالفعل إلى منصة إطلاق جديدة للولايات المتحدة لإبراز وحماية مصالحها، بما في ذلك السيطرة على قطاع النفط ودعم إقليم شمال العراق، والضغط على إيران.
إن هذا الوجود والإصرار على رفض الانسحاب يدلان على أن العراق الآن محور الإستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط، إذ تخطّط الولايات المتحدة لخوض حربها البطيئة والطويلة الأجل مع إيران من العراق، ومن هنا ستراقب الولايات المتحدة روسيا والصين، قد يكون هذا صحيحاً بسبب الصفقة الوشيكة بين الولايات المتحدة وطالبان، إذ سيُتبع انسحاب الولايات المتحدة باتفاق مع طالبان ليترك العراق باعتباره البلد الوحيد الذي يمكن أن تحتفظ فيه الولايات المتحدة بقوتها بشكل تعسفي غير قانوني.