ثقافةصحيفة البعث

تأمـــــلات في ديـــــوان “أســـــــتميحك عطـــــــراً”

 

 

بمفردات عذبة وإيحاءات شعرية إنسانية قدمت الشاعرة نجوى هدبة مجموعتها الشعرية “أستميحك عطراً”، وأشار الكتاب إلى مواطن الجمال والدلالات والمناحي الإيجابية في ندوة أقامها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب بعنوان “تـأملات في ديوان أستميحك عطراً” وقرأت الشاعرة مجموعة من قصائد المجموعة.

الأنا والآخر
قدم الناقد عماد فياض قراءة في المجموعة قال فيها: تطالعنا قصائد الشاعرة نجوى هدبة بهذا الانشغال بالأنا والآخر، والمقصود بالأنا أنا الشاعرة أما الآخر فهو الرجل، هذه القصائد هي قصائد التأمل الداخلي والاستبطان والاعترافات المتأخرة، يوجد فيها ضبط رفيع ناعم أثيري كنسمة إذ تحتوي القصائد على مفردات: السُكر والخمر والنشوة والعنب والنبيذ والزبيب بما يعني التخمر والاستغراق وهكذا أتت القصائد متخمرة ومشغولة بأناة.
وأضاف: هناك خيط رفيع من أثر نزار قباني في قصيدة “لكنَتُكَ” “يا وطني الأكبر، وفي قصيدة “ندم” اعتراف متأخر: القصيدة هي سجل بوقائع الهموم اليومية التي تعانيها المرأة، وتتحملها بصمت، رغم أنها تصف نفسها بسيدة بيت خرقاء أي تجهل التدبير وإدارة شؤون المنزل، بينما هي على العكس مدبرة من الطراز الرفيع، وفي القسم الأول انزياح عن القصة المعروفة للخليفة عمر بن الخطاب.

أستميحك عطراً
بدوره قال الكاتب طارق مقبل: إن التأمل في الأشياء والموجودات يتطلب منا حالة انفصالية نتنحى فيها لنتفرغ تفرغاً عقلياً ووجدانياً لإدراك الجزئيات التفصيلية الدقيقة التي يتكون منها عنصر الوجود المقصود بالتأمل، وإذا حاولنا الولوج إلى نصوص الديوان “أستميحك عطراً” فإن العتبة الأولى التي سنجدها ماثلة في رأس النص هي العنوان وهو شهادة الولادة الأولى التي تنتقل بالموجود من حالة الإغفال والعدم إلى حالة المثول المتجسد، فهي كالاسم بالنسبة إلى الإنسان يمنحه علامته المميزة، وعلى الرغم من أن العنوان يتجسد في أعلى تكثيف لغوي ممكن، إلا أنه يحمل في ثنايا هذا التكثيف مفاتيح الولوج إلى أعماق النص وطبقاته الدلالية، ومجموعة “أستميحك عطراً” ذات بنية إخبارية مكونة من مسند إليه محذوف تقديره أنا أي أنا أستميحك والمسند جملة فعلية فعلها أستميحك، وتتمة البنية التميز عطراً، والمعنى اللغوي لأستميحك يتجه إلى اتجاهين في الدلالة:
الأول: هو طلب إفساح المجال لحدوث الفعل، والفعل هنا هو الشعر، أي هو إلماحات البوح المتجهة من الأنا، التي تطلب من الآخر أن يفسح لها مجالاً كي يلتفت إلى ما فيها من حدس انطباعي في مواقف خاصة تريد الأنا التعبير عنها بصورة انطباعية. والثاني: هو إفساح حيّز خاص من الأنا كي يحضر الآخر الغائب إلى جوارها أثناء هذا البوح بما فيه من أفكار ومشاعر، وفي الاتجاهين يلفت الانتباه كاف المخاطب في الفعل أستميحك، وهي تستحضر بالضرورة الآخر الرجل مجاوراً ومشاركاً للأنا في العنوان، وحاضراً بصورة واسعة على امتداد المجموعة كما يتبين لمن يقرؤها، والعطر حالة شمية محسوسة تعبر عن الإيحاء اللفظي لما يمكن أن يبثه الشعر من مستويات الدهشة الجمالية ولذتها المصاحبة، كتلك التي يشعر بها الإنسان حينما يشم عطراً ذا رائحة زكيَّة، إنه باختصار عطر الشعر الذي سيفوح من كلمات المجموعة وعنواناتها وصورها، والمرسل إلى الآخر الرجل طالباً منه أن يمعن النظر كي يستمتع بما فيه من جماليات ظاهرة أو مضمرة.
تنتمي النصوص وفق التقسيم الأجناسي إلى جنس قصيدة النثر، وهو جنس كتابي له خصوصيته وإشكالاته من حيث أنه تتداخل فيه لغة المجاز الغامضة بلغة السرد اليومية، ولغة الواقع بلغة التخييل، وأهم ما يميز هذه القصيدة ويمنحها أسباب وجودها وفاعليتها، لأنها باستثناء النماذج التي تفتعل كتابتها لضعف في القدرة على إتقان أساسيات القصيدة التقليدية الموقعة، استطاعت بما فتحته من آفاق أسلوبية جديدة في تناول اللغة وبناء الصور أن تعبر بنوسانها بين الشعرية المقعّدة والنثرية المحضة عن أثر الواقع الجديد في وجدان المبدع والمتلقي على حدٍّ سواء، وليس لي في الختام سوى أن أهنئ الشاعرة على هذه النصوص الماتعة التي أهم ما يميزها التدفق الرؤيوي لشخصيتها الشعرية، من دون افتعال للحالة الشعرية أو تزييفها..

ومضات
وقال ملهم الصالح: تقع مجموعة “أستميحك عطراً” في 128 صفحة من القطع الصغير صادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2019، و”الانزياح” عبارة لم ترد ضمن نص بل عنوان جامع للومضات، النص كتلة واحدة دون تفقير (تقسيمه لفقرات)، علماً أن معمار النص عبارة عن أجزاء، إذ تتنوع أغراض هدبة وتتعدد ومنها تلفت إلى أن الياسمين معرش على كل تفاصيل حياتنا اليومية، العلاقة الحميمة خلق وبعث، تتضور من لوعة الحب بل وتشكو الذكورة، وترصد تداعيات الحرب وويلاتها كأنثى عاشقة وكأم وبأسلوبية ساخرة تحدثنا عن موتى يبحثون عن أرض جديدة مكثرين قبوراً جديدة في أرض لا تعبث بديدانها، تتذمر من المجتمع الذكوري وتشكو الرجل أباً وحبيباً وتنتقد واقع الحال.
وتناقش نجوى مسائل عدة منها الانتماء والاغتراب، وهجرة الأبناء ومعاناة الآباء، لوعة التهجير واللجوء، تصور معاناتها مع الرجل العاطل عن الحب والزمن وتنشد الاكتمال والتكامل مع الشريك الرجل وتعلن عدم اكتمالها بعد. كما تبني نصها على ثيمة تتكرر وتتوالى بنتيجة صادمة ليأتي النص على تبريرها ملاحظات عامة: الحشو موجود، يسود الغموض، يستفزها النص الديني، الجرأة في طرح موضوعاتها، والشرح والتفسير بأسلوبية مميزة وأناقة المفردة، وفرادة الصورة، وتميز الالتقاطة، والخصوصية، ومحاكمة لا غلواء فيها، والوقوف على تفاصيل أنثوية غاية في العمق والجوهر.
جُمان بركات