رأيصحيفة البعث

تحرير معرة النعمان.. الفقاعة تنفجر

تحرير مدينة معرة النعمان وخان طومان هو حدث الميدان الأشد تعبيراً ودلالة.. انفجرت الفقاعة الأمريكية، وتعرّضت غطرسة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى حد كبير، لضربة قوية حين وجدت نفسها عاجزة، وبلا حول ولا قوة، بعد أسابيع طويلة من إعادة إطلاق الحرب الصامتة ضد سورية، وتشديد الضغط في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وسط زعيق الترويج لـ “كارثة” إنسانية “تتطلّب” الوقف الفوري للعمليات العسكرية، على أمل التمكّن من إلقاء حبل النجاة لبقايا المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة، والتي رفضت السماح للمدنيين بالخروج عبر الممرات الإنسانية التي فتحها الجيش العربي السوري، وأصرّت على احتجاز آلاف الأطفال والنساء والشيوخ كدروع بشرية.
لقد خسرت الولايات المتحدة في اختبار تصميم روسيا على التمسّك بسورية في فترة ما بعد “الترهيب” الذي تهيّأ لها أنها يمكن أن تشيعه باغتيال الجنرال قاسم سليماني، واضطر وزير الخارجية مايك بومبيو لتجرّع الكأس المرة، مرة أخرى، مع فشله في إعادة السياسة الأمريكية في سورية إلى المسار الذي طالما أرادته “إسرائيل”، فقد دعمت روسيا بقوة عملية الجيش العربي السوري في تحرير أرياف إدلب وحلب، وكرّر وزير الخارجية سيرغي لافروف، لأكثر من مرة، أن صبر روسيا ينفذ لأن المجموعات التكفيرية التابعة لتنظيم القاعدة، والمتمركزة في إدلب، أصبحت عدوانية، مشيراً، بكل تصميم، إلى عمليات كيماوية يتمّ التحضير لها من قبل الإرهابيين، وإلى شحنات أسلحة، بما في ذلك الصواريخ الأمريكية المضادة للدبابات تاو، تمّ تمريرها عبر الحدود التركية..
واليوم، ومع عودة معرة النعمان إلى سيطرة الدولة السورية، وتطهير المدينة، التي أخضعت، قرابة ثماني سنوات، لحديد ونار المجموعات الإرهابية، يمكن توقّع استمرار تقدّم القوات العربية السورية نحو الحدود التركية، بحيث لن يكون بالإمكان، من الآن فصاعداً، استخدام العصابات الإرهابية كقوات وكيلة لقصف أحياء حلب وريفها الجنوبي والغربي، ولا استهداف القرى والبلدات الآمنة في أرياف حماة الشمالية الغربية، ولا القواعد الروسية على شواطئ البحر المتوسط.. هناك أيضاً ما هو على غاية من الأهمية الأمنية والاستراتيجية، ذلك أن سيطرة قواتنا الباسلة على الطريق M-4، الذي يربط بين اللاذقية ومنطقة الجزيرة السورية، تعني، بكل بساطة، ودون طول شرح، أن المشروع الانفصالي بات عاجزاً عن الوصول إلى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وأننا أمام معطيات جغرافية جديدة برسم الخونة.. وبرسم المشروع الأمريكي الذي يستظلون به في سورية!
تتقدّم قواتنا المسلحة تاركة نقاط المراقبة التركية وراء ظهرها، محاصرة الواحدة تلو الأخرى، فيما يواصل الأتراك حديثهم عن إدارة “خفض التصعيد” في المنطقة، حيث يأخذ الرهان على النقاط إياها بالتراجع مع تطويقها واحدة بعد الأخرى، دون أن يكون معروفاً ما هو الهدف والمبرر من استمرار وجودها بعد اليوم، إلا لاستجداء العودة إلى “آستانا” و”سوتشي”، المسار الذي تذكره أردوغان فجأة، يوم أمس، بعد طول إنكار وتهرب، مبدياً الاستعداد للعمل مجدداً على إحيائه، و”النظر فيما يمكن أن نفعله معاً (روسيا وإيران) لإنعاشه”. اكتفى أردوغان بالتأكيد على أنه “سيرد” في إطار الحق المشروع في “الدفاع عن النفس”، “وطمأن” فلول الإرهابيين المنسحبين أنه سيبني لهم “المساكن المؤقتة” في أرياف إدلب الغربية، أي أنه لن يستقبلهم بـ “المياه الساخنة” داخل الأراضي التركية – كما كان يبيع العواطف في بداية المؤامرة على سورية.. والحقيقة فهو ينتظرهم بـ “تيكيت” الطائرة التي ستغادر بهم إلى الأراضي الليبية كجنود مرتهنين لخدمة الانكشارية الجديدة.
بعد أسابيع من التقدّم المطرد الذي تمّت فيه استعادة السيطرة وتطهير أكثر من ثلاثين قرية من رجس التكفيريين الذين حكموا منطقة إدلب، عبَرَ أبطال الجيش العربي السوري الطريق السريع M-5 شمال وجنوب معرة النعمان، وطوّقوا المدينة في حركة كماشة تذكر بعملية تحرير شرق حلب.. فرّ المرتزقة غرباً باتجاه كفرنبل، وتمّت استعادة المدينة نفسها في سيناريو يشبه إلى حد كبير معركة استعادة خان شيخون، قبل خمسة أشهر، حينما تحوّلت المدينة، مع حلول الظلام، إلى مدينة أشباح إثر الفرار الجماعي للعصابات الإرهابية المسلحة.
في طريق تقدّمه، يكنس الجيش العربي السوري أوهاماً ومشاريع ومؤامرات بالجملة.. وهناك خط أحداث واحد، ووحيد، يسيطر، وهو أن سورية ستجتث الإرهاب لا محالة، على اختلاف أشكاله، وفي كل المناطق.
بسام هاشم