تحقيقاتصحيفة البعث

لا تتهاونوا معها التقنيات الذكية.. أخطار متعددة.. ومعاناة من التداعيات النفسية والسلوكية

 

المرشد الاجتماعي أحمد إبراهيم محمود أكد لنا أنه منذ حوالي الشهر راجعه أحد الأهالي وأعلمه بتعرّض طفله البالغ من العمر سنتين ونصف السنة للسقوط وصدم الرأس، وبعد التأكد من سلامته طبياً عاد يعاني من “زوغان” في العينين، والقيء المتكرر، وعند مراجعة الطبيب مجدداً أعلمه أن هذا الطفل بحاجة للمراقبة، وممنوع عليه بتاتاً التعرّض للنور المبهر، وشاشات الجوال، والكمبيوتر لمدة ثلاثة أيام، وهنا أدرك الأب أن ما فعله بتسليم طفله الجوال كان خطراً كبيراً، وبعد تطبيق تعليمات الطبيب لمدة ثلاثة أيام فوجىء الأب بأن طفله أخذ يردد كل ما يقوله من كلمات، ويطيع ما يمليه عليه من تعليمات، وحتى لو قام بتحريف الكلام أصبح طفله يقوم بتصحيحه، ويحفظ الحوارات بدقة مهما كانت لهجتها صعبة، والواضح هنا أن الطفل كان مقيد النمو والفكر لاستعماله الجوال لعدة ساعات يومياً.

تفسير ما حدث
بعد هذا كله أدرك الأب حجم الفخ الذي يقع فيه الجميع، وطلب تفسيراً لما حدث، إذ إن أغلبنا يحاول تدليل الطفل الصغير، وتحاشي شعوره بالضجر والملل، وخاصة عند انشغال الوالدين أو حتى التهائهما بنوع من أنواع التسلية، يتابع محمود، والحل الأبرز والأسرع في عصرنا هذا الذي تلجأ له الغالبية هو تسليم الطفل الجوال، أو الكمبيوتر اللوحي، حيث يغوص الطفل في عالم الأنترنت، والألعاب الالكترونية، ومقاطع أفلام الكرتون، وغيرها من الأشياء المبهرة، أو يقوم بتشغيل الأغاني، والرقص، وغيرها من النشاطات التي تزيد من فرح الطفل وابتسامته النابعة من أنه يحقق ذاته بقوة للعالم الخارجي بالأداة التي في يده، مستغنياً عن الطرق الأخرى التي يجب على الطفل سلوكها لإبراز ذاته كالكلام، واللعب، والغناء، أو حتى رمي الأشياء، والكل يعلم أن لهذا الأمر مضارّ على الطفل، وشخصيته، ونظره، ولكنهم لا يأبهون متذرعين بأن ذلك على المدى البعيد، والكل سيعاني منه، ولكن ما لا تعلمه الغالبية أن مجرد مشاهدة الطفل للجوال صباحاً حتى لوقت قصير سيؤثر على كل نهاره على المدى القريب، خاصة إن كان سنه دون السابعة، وسيقل تواصله مع أهله، ويتراجع نطقه للأحرف بشكل لافت، وسيصبح غير قادر على الاستيعاب، أو حتى الإصغاء، وسيواجه تعليمات الأهل بعدم الاستجابة، أو حتى بالصراخ، والضرب على الطاولات، أو الأبواب باليد، أو حتى نطح الجدران بالرأس، وبالتالي تكون تصرفاته مثيرة للغرابة لدى الجميع، وللأسف بدلاً من حل المشكلة يفاقم الأهل المشكلة أكثر من خلال وضع الجوال في يد الطفل لتخفيف غضبه، وتصرفاته الغريبة، وهذا طبعاً يمثّل عكس الحل، فيجب على الأهل منع هذا الطفل من استعمال الجوال بتاتاً، ومع ذلك في حال الإصرار الشديد من قبله يجب أن يتم ذلك لوقت محدود، واستعادة الجوال منه بأساليب تربوية مثل ترديد عبارات على مسامع الطفل “سآخذ الموبايل منك بعد عشر دقائق، ثم سآخذه بعد دقيقتين، ثم سلمني الجوال انتهى الوقت”، ولكن يجب تعويض الخطأ المرتكب اضطرارياً من خلال قيام الأهل بمحاورة الطفل، وتعليمه الكلام والحروف بشكل مركز لتدارك أي نقص قد يمر به، وهنا طبعاً علينا ألا ننسى أن الجوال يؤثر على الشخص البالغ أيضاً الذي يهدر ساعات عديدة من يومه في تصفح الأخبار، ومواقع المحادثة، والتواصل الاجتماعي دون الانتباه لمضار ذلك على النظر، والأعصاب، وحتى النشاط، ولن نتوقع طفلاً يشاهد أهله يقومون بذلك لساعات متواصلة ألا يقتدي بهم ويقوم بتقليدهم بإصرار شديد، والحل هنا يكون بتخفيف ساعات استعمال الأهل للجوال، والاستغناء عن ذلك بالعمل، أو نشاطات أخرى، يأتي في مقدمتها اللعب مع أطفالهم، وابتكار أساليب يومية وجديدة لتنمية سلوك أطفالهم، مع العلم أن ما يزيد من ظاهرة استخدام الجوال في هذه الأيام هو الهروب من الواقع، والطموح لواقع أفضل ترسمه بعض الصفحات الكاذبة أو العابثة التي لن تغير شيئاً إن لم نعمل نحن وبكامل وعينا لبناء وطننا، ومستقبلنا، ومستقبل أطفالنا.
بشار محي الدين المحمد