اقتصادصحيفة البعث

“أزمة الليرة.. والخيارات المتاحة” من منظور تجمّع رجال الأعمال السوريين في مصر الموقَّع لـ”البعث”: الدمج بين رفع الفائدة وإصدار شهادات الإيداع أو السندات هو أفضل وأجدى!

في قانون السوق، يخضع الدولار -وكأية سلعة- لعملية العرض والطلب، وعند اختلال هذه العملية، أي اختلال التوازن لمصلحة ارتفاع أسعاره، كالذي نشهده حالياً، فإن إعادة التوازن تتطلب إجراءات فورية، تمتد استتباعاً مرحلياً لتشكيل عناصر اقتصادية داعمة للوصول إلى توازن مقبول نستطيع به عبور هذه المرحلة الصعبة بأقل خسائر ممكنة، وعادةً ما يتم ذلك بإجراءين أساسيين، منفصلين أو مجتمعين أولهما: زيادة كمية الدولار المعروض في الأسواق بضخّه من المصرف المركزي، وهذا أمر صعب حالياً، نظراً لما تفرضه أولويات المرحلة، وثانيهما: سحب فائض “السوري” من السوق من خلال الوسائل التالية، منفردة أو مختلطة ومنها: خلق فرص استثمارية – رفع نسبة الفائدة على الإيداع بالليرة السورية – إصدار المركزي شهادات إيداع وسندات خزينة…
بهذا المدخل الموضوعي استهلّ المهندس خلدون الموقّع رئيس تجمّع رجال الأعمال في مصر، رأيه وطرحه وما يجب العمل والتركيز عليه فيما يتعلق بـ”أزمة الليرة.. والخيارات المتاحة”، خاصاً “البعث” كمنبر ومنصة بأفكاره، التي تدلّ على عمق ارتباط مجتمع الأعمال السوري في مصر بقضايا وطنه، ولاسيما أنه يعتبر وجوده خارجياً -بحكم ظروف الأزمة- أمراً داعماً لوجوده الأساسي داخلياً، حيث انتظاره اللحظة المناسبة لينهض بدوره ومسؤولياته الوطنية الاقتصادية…

أمران واجبان
وبالعودة إلى الوسائل التي تمكّننا من زيادة الاحتياطي وسحب الفائض..، يرى الموقِّع أن خلق فرص استثمارية هو ما يجب أن نعمل ونتطلع إليه دوماً، مبيّناً أن مدى تحقيق ذلك يبقى مرهوناً بظروف الأزمة وقدرتنا على التعامل معها، وعلى التوازي يرى ضرورة وأهمية رفع نسبة الفائدة على الإيداع بالليرة السورية، وبحدود أقلها 20%، لافتاً إلى أن الفائدة بلبنان -وفي زمن الحرب الأهلية- وصلت إلى 30%، وإلى 10% على ودائع الدولار لدى مصرف لبنان في فترة من الأزمة الراهنة، أما في مصر فبلغت 20% على الجنيه في عام 2017، ما يعني أنه بالإمكان تطبيق هذا عندنا.

سلبيات وإيجابيات
أما في سلبيات وإيجابيات الخيار الآنف الذكر، فلا يخفي رئيس التجمع (في السلبيات)، حدوث تباطؤ بالنمو الاقتصادي، بسبب رفع الفائدة حكماً على الإقراض، وأن هذا له أثر سلبي في الزمن العادي، إلا أن هذا التباطؤ يكون محدوداً جداً في زمن الحروب والأزمات بسبب الركود وإحجام البنوك عن الإقراض نتيجة التضخم وارتفاع معدل الخصم (الحسم).
أما (في الإيجابيات)، فيرى أولاً: أن زيادة الإيداع بالليرة السورية يتيح للمركزي التحكم بإدارة الكتلة الأكبر من الليرة، ويكون أقدر على التعامل مع سعر الصرف؛ وثانياً: دعم معيشة المواطنين، حيث تشكل زيادة مباشرة في دخلهم وخاصةً محدودي الدخل، الذين يشكلون اليوم الشريحة المجتمعية الأكبر، التي ستكون المُبادرة لإيداع أموالها في البنوك، لأن مبالغها الصغيرة (ما تسمّى المدخرات العقيمة)، لا تتيح لهم إنشاء مشاريع استثمارية أو حتى استخدامها في المضاربة على الليرة، وثالثاً: دعم الأسواق المحلية، إذ إن زيادة الدخل المتحصّلة ستضخ سريعاً في الأسواق، ما سيؤدّي حكماً إلى دعم التجارة والصناعة المحلية وتنشيط الدورة الاقتصادية، ما يتيح للدولة استتباعاً جباية مريحة للضرائب، يدفعها التاجر والصناعي بمفهوم الواجب وليس “الأتاوة”، علماً أن الضريبة اليوم هي من أهم مصادر الدخل للخزينة.
أما رابع الإيجابيات، فيقول الموقِّع مؤكداً: عادةً ما يرافق زيادة الرواتب ارتفاع في الأسعار، في حين أن الزيادة المتحصلة من رفع نسبة الفائدة هي زيادة غير مباشرة لا تحمل معها عادةً زيادة للأسعار في الأسواق.

رؤية وتقدير
وحول شهادات الإيداع وسندات الخزينة (وهي خاصة لاكتتاب البنوك المحلية عليها)، التي الغاية منها سحب السيولة والأموال المودعة لديها، حيث تجد هذه البنوك صعوبة في توظيفها بسبب الركود الاقتصادي ومخاطر الإقراض، وبالتالي يُمَكِّنها المركزي من استقبال إيداعات جديدة، فيرى رئيس تجمّع رجال الأعمال السوريين في مصر، أن اللجوء لأحد الخيارين: (رفع الفائدة أو إصدار شهادات الإيداع أو سندات الخزينة)، ينطلق من رؤية وتقدير للواقع وأولوياته، إلا أنه أوضح أن خيار رفع الفائدة ستصبّ فائدته أولاً في يد المواطن المودع، لتتحوّل بشكل أسرع وتصبّ في مصلحة تحريك الأسواق والدورة الاقتصادية، في حين أن الشهادات أو السندات ستصب أموالها أولاً في خزينة المركزي الذي سيستدين بفائدة أقل، ثم ستضخ مبالغها في دعم الاقتصاد الوطني (الكلي) كما أفاد الحاكم، وهنا من الضرورة توضيح وبيان سبل الإنفاق والتوظيف لهذه الأموال، وهو أمر تستدعيه الشفافية وحقوق المودعين.
وعليه فقد يكون خيار الدمج بين هذين الخيارين هو الأفضل والأجدى بحسب المؤقِّع، انطلاقاً من أن المواطن في هذه المرحلة هو الأولَى، وهو بحاجة ماسة وعاجلة اليوم إلى دعم فوري لمدخوله ومعيشته، أما الدولة فبمقدورها -لأنها المظلة والحاضنة- أن تتحمّل دفع فائدة أعلى على شهادات الإيداع وسندات الخزينة، علماً أنها ستحصل عليها لاحقاً من الجباية الضريبية.

إجراءات لا بد منها
وفيما يتعلق باستقرار سعر الصرف ورفع قيمة الليرة، أكد أن الوصول إليه، مرهون بتجفيف منابع الهدر، وإلغاء أسباب استنزاف الليرة والمضاربة بها، وهو ما يترتب عليه عدد من الإجراءات وأهمها خمسة وفقاً لرئيس التجمع: مكافحة منظومتي الفساد والتهريب لأنهما يمتلكان وينتجان كتلة نقدية غير شرعية تزداد ضخامة يوماً بعد يوم، وخطورتها أنها تتحرّك خارج مظلة وإدارة المركزي، وهي بالتالي لها القدرة الأكبر على المضاربة والتأثير في سعر الصرف، ودون شك مثل هذه الأموال هي اليوم فاعلة في السوق اللبنانية التي تشهد أكبر عملية غسيل للأموال في ظل توقف الوارد إليها من الدولار (الرسمي النظيف) سواء من الخارج أم من المصارف اللبنانية، إضافة إلى ترشيد الإنفاق الحكومي بما لا يلحق الضرر بالعملية الإنتاجية ومصلحة المواطن، وترشيد الدعم وإعادة النظر في سياسته وآلياته وأولوياته، بما ينعكس بالفائدة الأكبر والأسرع على المواطنين وحياتهم المعيشة وخاصةً محدودي الدخل منهم، ورفد الخزينة بكل الموارد المتاحة بالليرة والعملة الصعبة، ومنها تسوية القروض المتعثرة وإعادة أي حقوق للدولة، وتعديل سعر الصرف للحوالات الخارجية الواردة من المغتربين والسوريين بالخارج، بما يتوافق مع سعر السوق كي تعود مبالغها إلى خزينة المركزي، وزيادة الصادرات بتخفيض كلفة المنتج المحلي، ومنها إلغاء جميع المبالغ التي تدفع خارج خزينة الدولة وخاصة على طرق النقل.

مرهونان..؟
أما تغيير أو تبديل العملة أو بعض فئاتها كما طرحه بعضهم، فيرى رئيس التجمع أنه احتمالية وخيار مرهون التطبيق بظروف اقتصادية مؤاتية وإجراءات مسبقة لبنية تمهيدية، والهند لها تجربة رائدة في هذا المجال، خاتماً طرحه بالقول: عندما تحدث قفزات متسارعة بأسعار الدولار خلال فترة زمنية وجيزة، ويشكّل الخوف والإشاعات جزءاً مهماً من أسبابها، فإنه في مرحلة ما وسعر ما من هذه الفترة، يصبح السعر المرتفع مدعاةً لمراجعة وتفكير أكثر من مرة لمن يرغب بالمضاربة أو تحويل أمواله إلى الدولار، لأن زوال هذا الخوف أو الإشاعة كلياً أو جزئياً، سيترتب عليه خسائر فادحة..، مؤكداً أن تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن هو الأساس لنجاح كل رؤية وكل إجراء نُقدم عليه.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com