دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة والعودة لفوضى 1945

 

ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع سبوتنك 30/1/2020
على الرغم من الجهود التي بذلها نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس للظهور بشكل وقور في النصب التذكاري “للهولوكوست” مؤخراً، إلا أن خطابه لقرع طبول الحرب ضد إيران كشف افتقاره الشديد إلى الكرامة وفهم الحدث.
لقد أظهر خطابه مدى عدم اهتمام الولايات المتحدة ببقية العالم، على الرغم من الاهتمام الجماعي المتزايد الذي تظهره بقية الدول لضمان السلام الدولي.
ربما لهذا السبب تجاهل الأمير تشارلز “بنس” ورفض مصافحته أثناء حضوره إحياء الذكرى الخامسة والسبعين لتحرير “أوشفيتز”، بينما استقبل تشارلز بحرارة الرئيس الروسي بوتين والفرنسي ماكرون.
وهذه المرة أيضاً، ليس من المستغرب، عزم بنس وإدارة ترامب على بدء الحرب مع إيران، حرب من شأنها أن تجتاح الشرق الأوسط بأكمله وربما تشعل شرارة حريق في العالم.
إن تهديدات واشنطن الوحشية باستخدام العنف ضد إيران، واغتيالها مؤخراً لأحد كبار القادة العسكريين في إيران، هي بمثابة تبرؤ من القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وسلوك أقرب ما يكون لسلوك جماعات الجريمة المنظمة وليس لدولة “ديمقراطية” مفترضة.
تمّ إنشاء ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية لمنع تكرار الحريق الأسوأ في التاريخ، إذ قُتل ما يزيد على خمسين مليون شخص آنذاك.
إن منع الحرب هو بالتأكيد من أكبر المسؤوليات الجسيمة التي يتحمّلها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة التي تتجاهل القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لشنّ الحروب أو التدخلات العسكرية من جانب واحد، لذا فإن تهديدات واشنطن ضد إيران ليست جديدة، فهذه هي الممارسة الأمريكية المعتادة.
أكد بوتين وماكرون والأمير تشارلز والرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير على ضرورة الالتزام الجماعي بالقانون الدولي والسلام، إذ أن هذا الالتزام كان أفضل طريقة لتكريم أولئك الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية، وأضمن طريقة لمنع وحشية الأيديولوجية الفاشية والاضطهاد أن تتكرر على الإطلاق. استنكر المتحدثون الواحد تلو الآخر أيديولوجية تشويه صورة الدول الأخرى التي تغذي الكراهية والحروب.
على نقيض ذلك تماماً، حرّض نائب الرئيس الأمريكي على شنّ حرب ضد إيران، التي اتهمها بأنها “الدولة الرئيسية المحرضة على معاداة السامية”، كما حثّ بنس العالم بأسره على “الوقوف بقوة ضد إيران”، كما لو كان ينفث السم من فمه.
في الحقيقة، ما من شك بأن “بنس” كان يقدّم المبررات للمواجهة العسكرية مع إيران، وهي السياسة الثابتة لإدارة ترامب خلال السنوات الثلاث الماضية.
ليس من المستغرب، أن خطاب بنس كان متزامناً مع الخطاب المعتاد لنتنياهو تجاه إيران.
كم كان المشهد بغيضاً، عندما كان بنس يضع قناعاً كئيباً وهو يتحدث عن ضحايا “الهولوكوست”، بينما تشنّ دولته حرباً على أي دولة أجنبية متى تشاء. وفي حدث كان من المفترض أن يعكس رعب الحرب، أظهر بنس أنه ليس لديه بوصلة أخلاقية.
هذا هو الأمر المحيّر، إذ يبدو أن الكثير من السياسيين الأمريكيين، يجهلون التاريخ. ومن المؤكد أن أي شخص يفكر برعب الحرب سيدافع عن احترام القانون الدولي والتقيّد به والالتزام بالسلام والسعي الجاد للحوار والشراكة بين الأمم.
تعتبر أسطورة القومية الأمريكية، التي تصاعدت على مدار العقود الأخيرة منذ عام 1945 نفسها “استثنائية” عن جميع الأمم الأخرى. وهذا يترجم سبب افتراض الولايات المتحدة أنها “فوق القانون الذي يلتزم به الآخرون”.
لقد أظهرت كلمات مايك بنس وموقفه المهين، انفصالاً مقلقاً وخطيراً عن ضرورة منع الحرب والإبادة الجماعية، وأن الولايات المتحدة لا تواكب العالم إذ أنها تعود إلى فوضى العام 1945.