ثقافةصحيفة البعث

“أمينه”.. القسوة الواقعية والمرأة السورية قبل الحرب وبعدها

 

المشهد المتكرر للبقعة الدائرية في البيدر ودراسة القمح في موسم الحصاد، يختزل الأحداث ليكون شاهداً على حالة سورية قبل الحرب وبعدها حينما تعرضت البقعة للاحتراق وأصبحت سوداء متفحمة، تكرر أيضاً في المشهد الأخير ليبوح برسالة أيمن زيدان بأن المرأة السورية لم تكسرها الحرب، وأن سورية منتصرة دائماً، في “فيلم أمينه” –إنتاج المؤسسة العامة للسينما-إخراج أيمن زيدان – سيناريو أيمن زيدان بالتعاون مع سماح القتال، الذي عُرض في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- وقد ارتبط هذا المشهد بأمينه الأم- القديرة نادين- ضمن مسار القسوة الواقعية التي جسدها أيمن زيدان بالفيلم واستُمدت من واقع الحرب الإرهابية، فعبْر ساعتين من مساره الإخراجي الهادئ المبطن بالحزن والقهر والقسوة مبتعداً عن مشاهد الاشتباكات والانفجارات باستثناء المشهد الأول، لتبدأ قصة البطل من لحظة انفجار القذيفة التي حوّلت حياته إلى سكون فداء الوطن، فأصيب بالشلل الكامل الذي أفقده القدرة على النطق والحركة باستثناء الرمش بعينيه، ومن هنا تبدأ قصة أمينه وحكاية الفيلم التي تقترب من حياة متضرري الحرب من أبطال الجيش العربي السوري ومن المدنيين، وتظهر بوضوح دور الانتهازيين الذين استغلوا أوضاع الحرب ليصبحوا تجار الأزمات، لتبقى الخيانة هي المحور الأساسي بالفيلم الخيانة الكبرى للوطن وتندرج ضمنها كل الخيانات.

قوة الأم والتحدي
بقيت أمينه قوية صامدة تكذب نفسها وأقوال الأطباء بأنه لا أمل بشفاء سهيل- المخرج جود سعيد- فوقفت في وجه كل من يتحدث عنه بيأس، وابتكرت أساليب للتخفيف من عذابات ابنها، واستكملت أوراق المشروع الخاص بدعم الحكومة للمتضررين من الجنود، ورفضت قبول المتخصصين بالدعم النفسي لرعاية متضرري الحرب لقوتها وإيمانها بأن ابنها لا يحتاج إلى دعم نفسي وسيعود كما كان، وبنت التنور بنفسها وعملت بصناعة الفطائر للمارين بمساعدة ابنتها سهيلة- لمى بدور- التي تتابع السنة الأخيرة بدراستها الجامعية.
قوة الفيلم كانت بالإخراج البارع لأيمن زيدان بتجسيد القسوة الواقعية بإفراد المشاهد لتصوير حالة سهيل الطبية بدقة كبيرة بأداء جود سعيد القوي والمؤثر فارتبطت الكاميرا بحركة الأم وحنيتها بمشاهد مختلفة لوضع الابن سهيل.

السينما تواصل وحلول
أدخل زيدان خط السينما من خلال ضيف الشرف المخرج عبد اللطيف عبد الحميد ودوره الفعّال رغم صغر مساحته في المتحف الصغير للسينما الذي يضم روائع الأفلام العالمية، ليتحاور في أحد المشاهد مع سهيلة عن السينما التي هي أداة تواصل بين الناس وفي الوقت ذاته تحمل الحل لهم أحياناً، إذ لمحت سهيلة مقطعاً من فيلم عرضته إحدى المحطات عن ترديد الممرضة الأحرف أمام البطل المستلقي بلا حراك على السرير، فتسأله عن هذا الفيلم ويحكي صاحب المتحف السينمائي قصة الفيلم للصحفي والكاتب الذي أفقده المرض المفاجئ القدرة على الحركة باستثناء حركة عينه اليسرى ومن خلالها كتب روايته العالمية قبل وفاته، فتتعلم سهيلة سر التواصل بين الممرضة والكاتب بكتابة أحرف اللغة العربية على اللوحة وقراءتها حرفاً حرفاً، ومن ثم تدوين الأحرف على اللوح لتشكل الكلمة.

اللجوء إلى المتخيل
عمل المخرج على الدمج والتماهي بين المشاهد الواقعية والمتخيّلة التي تعيشها أمينه وتسترجع من خلالها حياة ابنها كيف كانت قبل الإصابة، لتعيش بهذه التخيلات التي وظّفها زيدان ليدخل من خلالها إلى محور جديد يتعلق بإصابات المدنيين بدخول أمينه إلى منزل الأسرة الثرية وعملها بطهي الطعام ومراقبتها السيدة-لينا حوارنة- التي وصلت إلى مرحلة اليأس بعد أن تعرضت لشظايا قذيفة جعلتها مقعدة على الكرسي الكهربائي المتحرك، وترفض مغادرة سورية والسفر للبلد التي يقيم فيها أولادها طالما هي مريضة، وينسحب الخط الدرامي ليركز على زوجها رجل الأعمال الذي توقفت مشروعاته نتيجة الحرب وتبعاتها الاقتصادية، فتدفعها تخيلاتها لتزرع الأمل في داخلها وتقنعها بأن ابنها استعاد قوته، ليأتي المشهد المؤثر حينما نرى السيدة المقعدة تقف وتمشي ببطء وتنهار أمينه”عقبال عند ابني” وتعترف بأنها كذبت لتساعدها على الشفاء، وهذا حال السوريين الذين تلاحموا ووقفوا إلى جانب بعضهم رغم المآسي.

السلبية المطلقة
المنعطف الذي ركز عليه المخرج بالفيلم هو السلبية المطلقة التي لمستها أمينه ليس فقط من المحيطين مثل سائق الميكرو الذي وصف حالة ابنها بقوله” والله حالته أسوأ من الموت”، ومثل حال زوجة سهيل التي أخذت ابنها الصغير وعادت إلى منزل أهلها بتشجيع منهم، ومن الجيران الذين يكتفون بسؤالهم” كيفه البطل” وإنما بانتهازية (أبو زهير) –قاسم ملحو- الذي استغل الديون على زوج أمينه قبل وفاته وطلب الزواج من سهيلة التي تحب وليد صديق سهيل الذي يحمي الوطن مع رفاقه الجنود –حازم زيدان-.
ولم يقتصر الفيلم على حكاية أمينه مع عائلتها بقريتها القريبة من طرطوس وإصرارها على عدم السماح لسهيلة بالتضحية بنفسها، إذ تطرق في أحد المشاهد إلى العائلات التي هاجرت حاملين أطفالهم وأمتعتهم في قوارب الموت التي مضت مع المجهول من مرفأ طرطوس. وكان أيضاً وثيقة بصرية عن عمل المرأة الريفية وارتباطها بالأرض والبيت عن طبق القش والتراث اللامادي.
جاءت النهاية غير المتوقعة ففي اللحظة التي تحضر أمينة الكرسي لابنها، يخترق أبو زهير حرمة البيت ويخون القيم والأخلاق والوطن بمحاولته التهديد بالقضاء على وليد، والاعتداء على سهيلة أمام أخيها سهيل إلا أن سهيلة تدافع بقوة عن نفسها وبيتها وأخيها وتحمل السلاح في وجهه بدلالة واضحة إلى قوة المرأة السورية، لكن المفاجأة القاسية حينما تفتح أمينه الباب وهي فرحة لترى الغطاء الأبيض يغطي جسد سهيل لأنه لم يحتمل صدمة خيانة جديدة.

ملده شويكاني