دراساتصحيفة البعث

“خطة سلام” ترامب.. احتيال لا صفقة

ترجمة: علاء العطار
عن “ذا غارديان” 29/1/2020
ترتكز خطة السلام العربية- الإسرائيلية التي وضعها ترامب على سخافة إمكانية قبول الفلسطينيين بدولة بالاسم فقط، فمنذ اتفاق أوسلو عام 1993، برقت الآمال في إقامة “دولة فلسطينية” على معظم الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشرقية، ولا تبدي وثيقة إدارة ترامب سوى موافقة كاذبة لقيام مثل هذا الكيان مع تقليص حجمه وجذم نطاقه، وتتخيّل هذه الوثيقة إمكانية نقل البلدات الفلسطينية إلى خارج “إسرائيل”، كما تحتوي على محاولة وقحة لمنع الفلسطينيين من السعي لتحقيق العدالة فيما يخصّ جرائم الحرب. يتباهى ترامب بأنه صانع الصفقات، فيعرض على الفلسطينيين استثمارات بقيمة 50 مليار دولار مقابل حقوقهم المدنية والوطنية، لكن الفلسطينيين لا يرون فيه سوى محتال لا ينوي الوفاء بوعوده الفارغة أصلاً.
وما هذا الاقتراح إلا مداهنة لأيديولوجيين يمينيين في الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وينهي المهزلة التي يصنعها ترامب في لعبه دور الوسيط في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ولدى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، سبب وجيه يدفعه للاعتقاد بأن زيارته لواشنطن هي أروع لحظاته، فقد حذّر ذات مرة من أن “إسرائيل” ستتعرض لخطر مميت إذا ما وجدت بجوارها دولة فلسطينية قابلة للنمو، وتدلّ المؤشرات على أن حكومة نتنياهو ستصوّت خلال أيام لبدء ضم جميع المستوطنات في الضفة الغربية وغور الأردن. إن “تعيير” الفلسطينيين بأنهم لم يفوتوا فرصة ليفوتوا فرصة للسلام، هو سخرية في غير موضعها، ودعم ترامب السافر لإسرائيل وتنكّره للفلسطينيين في صياغة خطته سمح لنتنياهو بفعل ما يشاء. ويبدو هذا محاولة شفافة من ترامب لمساعدة نتنياهو، الذي يواجه محاكمة بتهمة الرشوة والاحتيال، في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، كما أنه يساعد نفسه في محاكمة المساءلة في مجلس الشيوخ من خلال حشد الدعم الإنجيلي المؤيد “لإسرائيل”، لكن خطته تقلّص المسافة بين الموقف على الأرض والتعابير التلطيفية التي تُنشر لوصفه.
تسيطر “إسرائيل” على الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وإن لم يكن بالإمكان إقامة دولتين قابلتين للنمو في الأراضي المقدسة، فسيعزّز الوضع الراهن واقع دولة واحدة أو احتلال دائم، ومحاولة “إسرائيل” البقاء “يهودية” و”ديمقراطية” في الوقت الذي تسيطر عليه على مساحة ذات أغلبية عربية تضع الدولتين في مأزق، فكيف لها أن تحافظ على أغلبية “يهودية” قوية وعلى كل الأرض وأن تبقى “ديمقراطية”، يمكن “لإسرائيل” أن تتعايش مع هذه التناقضات طالما أن ترامب يسمح لها بانتهاك القانون الدولي دون عقاب.
أدى نصف قرن من الاحتلال إلى نظام التمييز المؤسساتي ضد الفلسطينيين، وستستغل “إسرائيل” حقيقة أن واشنطن تجاهلت قرارات الأمم المتحدة وأيدت سياساتها الوحشية وغير الشرعية. يريد ترامب خلق وقائع جديدة على الأرض، لكن دون وجود دعم فلسطيني، قد لا تتحمّس بعض الدول العربية، ويبدو أن ترامب يكره النظام العالمي القائم على القواعد لأنه يتعارض مع القوة الغاشمة التي يفضّلها لإدارة الشؤون العالمية، وخارج الاتحاد الأوروبي، ستصبح سياسة المملكة المتحدة الخارجية رهينة لمثل هذا النهج، فترحيب لندن بـ”الاقتراح الجاد” الذي قدّمه ترامب أمر محبط، ينبغي رفض مقترحات الضم الأمريكية والتأكيد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية. لن يستمر السلام دون قبول أخطاء الماضي، لكن واشنطن تعزّز قانون الغاب، حيث تدافع كل دولة عن نفسها، وإننا نمر بأوقات خطيرة في العالم، وليس في الشرق الأوسط وحده.