ثقافةصحيفة البعث

الأنثى المخطوفة بين رمزية الرسوم الوافدة والمحلية

 

 

كل طفل يتمنى أن يكون بطلاً لحكايته الخاصة، الذكر منهم يحب أن يكون الفارس المقدام النبيل المضحي لأجل أهداف نبيلة قد يكون أحدها تخليص الأميرة والوطن وآنية الزهر من الأسر، والأنثى منهم تحب أن تكون تلك الأميرة، فمن أين أتى هذا العنوان؟
جاء من خلال تأثري بصحبة جيل كامل من الشباب في أنحاء العالم من ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم بالرسوم المتحركة اليابانية، وكان بطلها الأميز والذي لا اختلاف على تفرده وعبقريته مسلسل (كونان فتى المستقبل) للمخرج الياباني الكبير هياو ميازاكي الذي عرفناه بنسخته العربية بعنوان (عدنان ولينا).. وكلمة المخطوفة من أثر فيلم ميازاكي الشهير (المخطوفة).
الرمزية الوافدة كانت من خصوصية ميازاكي نفسه وهو الكاتب والرسام والمخرج الذي نذر نفسه وأعماله لمناهضة الحرب كرد فعل على ما عاناه في طفولته من جراء همجية وتكبر وصلف الولايات المتحدة الأمريكية في عدوانها على بلده اليابان، ووضع نصب عينيه ترميز الوطن والطبيعة في صورة البطلة_ الطفلة_ التي يركض بطل العمل دائما لتخليصها والحفاظ على نقائها وبريقها ويبذل في سبيل ذلك كل ما يستطيع من قوة ومقدرة وتحايل، ينسجها خيال ميازاكي بطريقة جعلتنا نحاول دائما تقليد عدنان (كونان) في كل حركاته وسكناته وتصرفاته.
السؤال هنا: ما الذي ينقصنا في أدبنا المحليِّ الموجه للأطفال والرسوم الخاصة بقصصه لكي لا يكون لنا بطل مخلّص؟ بطل يسعى إلى إنقاذ أميرة ذات صبغة محلية وهوية سورية خالصة بالشكل والمضمون والتعابير والأحلام يتمثله أطفالنا ونحمّله ما نشاء من أخلاقنا وحبنا ونقائنا السوري الداخلي الخام؟ لماذا لا نخرج من أتون هذه الحرب كما خرجت اليابان؟ أكثر تمسكاً وتعلقاً بالهوية والخصوصية الوطنية السورية الخالصة، ويخرج من بيننا كتّاب وفنانون كما خرج هياو ميازاكي ليبدع لنا هذا الكم من العبق المحلي_ الخاص باليابان_ والذي جسده بطريقة ساحرة جعلته ينقل مدن وقرى وريف اليابان بكل تفاصيله إلى كل منزل وقرية في أنحاء العالم، ويترك لدى أجيال متعاقبة هذا الحب والشغف لتتبع أعماله.
عندما أبدعت الفنانة القديرة لجينة الأصيل شخصيتها الطافحة بالجمال السوري (تفاحة) كنت أتتبع بشغف كل حركاتها وسكناتها، فتأسرني بكل شغف الطفولة وعبثيتها تلك الجديلة التي تتراقص مع كل حركة من حركات (تفاحة)، لماذا لا تتحول تفاحة إلى بطلة مسلسل كرتوني كما كانت (لينا)؟ لماذا لا يكون لها (عدنان) من نسيج سوري يركض _ يغامر_ يواجه الأشرار ويمارس طقوسنا الطفولية كلها؟ يلعب بـ”الدحل” أو يركل العجلات المطاطية الضخمة في الطرق الترابية لأريافنا ويرسم من أثارها المتراكضة دروباً للأقحوان وطرقاً تصل قلوبنا بذاك السحر السوري المنثور في كل قرية وشارع ليصل إلى جديلة تفاحة كرمز للأنثى البطلة والأميرة المحبوبة.
لماذا بقيت شخصيات ممتاز البحرة “باسم ورباب” رهينة سجن الذكريات الجميلة التي تملأ رائحة جلساتنا بالعبق السوري الخالص؟ ولماذا لم نستثمرها حتى الآن بأعمال كرتونية تليق بخطوطه وجزالتها؟
كنت وما زلت أقول بأن ممتاز البحرة كان يرسمنا.. يرسم تسريحة شعر البطل وطريقة تجديل الضفائر للبطلة.. يرسم وجوهنا وتفاصيلنا السورية، والآن ذهب الفنان وبقي الأثر، هل نطويه في غيابات الزمن؟ أم تتضافر الجهود من تمويل وكتابة ورعاية ورسم، لتصبح مغامرات باسم ورباب مسلسلات سورية تنبض بالطفولة الخاصة بنا، وتصبح رباب أيقونة ملهمة لباسم ولنا نلعب معهم (شمس قمر نجوم غيوم)، وتصبح ميسون جذوة نضال طفولي، ليخلصها مازن ويحافظ على نقائها وبراءتها السورية.. هذه دعوة مني لكل من يقرأ هذه الكلمات من القائمين على فن الرسوم المتحركة في وطني الحبيب، أن نكثف الجهود جميعاً ونستقطب المواهب لصنع رسوم متحركة تكون فيها سورية حاضرة، والأنثى السورية بطلة تليق بها التضحية ونحن قادرون بكل تأكيد على صنع أفلام ومسلسلات كارتونية، فالمواهب السورية متوفرة وبغزارة وبمستويات فنية عالية وقديرة على صنع بطل سوري يليق بالحكايات يحمل كل نبل السوري ويسعى في مغامراته لإنقاذ بطلته السورية:
مثل ناوسيكا أميرة وادي الرياح التي تملك روح الطبيعة الساحرة.
مثل مونونوكي ربيبة الذئاب الأميرة التي تقف في وجه صناع الحروب لإنقاذ نقاء الطبيعة.
مثل تشهير وبطلة فيلم المخطوفة الذي استقيت منه روح العنوان.
القائمة تطول من أفلام هياو ميازاكي –شاهد ومثير هذا البحث وكلمات هذا المقال- ما عليكم إلا متابعة التمحيص في نهجه الأدبي والفني الذي اتبعه في أعماله الخلاقة وستصلكم بشكل واضح وجلي مقارناتي تلك بين إبداعه لصورة الطفلة الأنثى البطلة وبين توقي لوجود هكذا أيقونات سورية في قصص أطفالنا وبعد ذلك تحويلها لأعمال كارتونية تليق بالسادة السوريين الصغار.
رامز حاج حسين