صحيفة البعثكلمة البعث

دموع التماسيح.. والبعد الإنساني

 

دموع التماسيح التي يذرفها أردوغان ظاهرة معروفة في السياسة والاجتماع وقديمة أيضاً، وهي تنبعث من تعاطف سطحي مقترن بمشاعر كاذبة، وبإتقان النفاق واستثمار ألم الآخرين والارتزاق بدماء طرفي الأزمة.
كما أن المتاجرة بالبعد الإنساني جرّاء ظاهرة اللجوء هي آفة من آفات العصر، فتذكّرنا نوايا أردوغان بالمتاجرة بها مع السوريين بمسألة الأونروا التي طالما ابتزّ بها المجتمع الدولي الفلسطينيين، وآخر ابتزاز كان إعلان ترامب في آب 2018 وقف تمويل الأونروا تمهيداً لصفقة القرن في الوقت الذي نجد صواباً في الدعوة إلى إنهاء عمل هذه المنظمة عن طريق حل عادل وشامل لقضية اللاجئين.
.. إن نظام أردوغان يعمل على أونروا ابتزاز ثانية في سورية، وتدعمه في هذا الأطرافُ نفسها التي تدعم ترامب.
وإذ لا يستغرب المرء هذا البُعد الخبيث في استثمار نتائج الحرب على سورية والعدوان على شعبها ومؤسساتها الوطنية جرّاء (المتاجرة بالبعد الإنساني)، فإن هذا الاستثمار -وللمفارقة- يُضعف حجج من يعملون على إقصاء (نظرية المؤامرة) في أسباب تلك الحرب، خاصة بعد أن تأكّد العمل مسبقاً على تهيئة مخيمات النزوح قبيل بدء الحرب، ولا سيما من قبل داعمي الإرهاب، الذين بادروا إلى تشكيل وتحشيد ما سمّي يومها بـ (أصدقاء الشعب السوري) وفشلوا.
فمنذ الأسابيع الأولى للحرب، قام أطراف العدوان على سورية، بالعمل من جهة أولى على تسهيل دخول آلاف المجاميع الإرهابية من عشرات الدول إلى سورية، ومن جهة ثانية مقابلة تم التسهيل، والإغراء، والضغط بالمال والسلاح على مئات الآلاف للهجرة، واللجوء، والنزوح وهذا نوع من الإحلال، والاستيطان، والعبث بالديموغرافيا.
بل من جهة ثالثة فقد تم منع المواطنين من الخروج من المناطق الساخنة إلى حضن الوطن، وآخر هذا ما حدث في معبر أبو الضهور منذ أيام، وذلك بسبب ضغط الإرهابيين ونظام أردوغان لاتخاذ هؤلاء (دروعاً بشرية) ضد حق الجيش العربي السوري وواجبه في تطهير كل شبر من أرض الوطن من دنس العصابات الإرهابية.
فلا يزال هذا المشهد يتكرر منذ الأيام الأولى للحرب وعقب، أو مقابل جهود الدولة في الانتصار للحل السياسي ودعمه بالمصالحات، وبمراسيم العفو المتكررة، وببرنامج الإصلاح الوطني الشامل… وصولاً إلى تقدّم إنجازات الجيش في تطهير أراضي الوطن، ولا سيما في المناطق التي طالما راهن داعمو الإرهاب على عصيانها سواء في المنطقة الجنوبية أو الوسطى، أو الشمالية، وقريباً الشرقية.
فمع كل انتصار تنجزه مؤسسات الدولة الوطنية – وبعد أن فشل الرهان على الاتهام باستخدام الكيماوي – يبدأ الحديث عن (رقّة؟!) قلب الإرهابيين ومشغليهم وعن (تألق؟!) البعد الإنساني وتطوره في جرائمهم، ويكاد يكون المجرم أردوغان سبّاقاً في ذرف دموع التماسيح على المواطنين السوريين الذين سيضطرون إلى النزوح جرّاء ابتزاز العصابات المسلحة.
يتم اللعب بتصوير النزوح من وطأة الإرهابيين على أنه خوف أو رفض لدخول المؤسسات الوطنية إلى الأراضي المطهّرة، ويتم بالمقابل التغافل عن أن المواطنين في تلك المناطق طالما نعموا بوجود هذه المؤسسات من مدارس ومشافٍ ومعامل ومراكز صحية وثقافية… إلخ في وطن كان يُقال فيه قبل الحرب عليه: سويسرا الشرق.
والسؤال هل يوجد في العالم عاقل وصاحب وجدان وضمير يرضى أو يقتنع بحق نظام أردوغان أن يُدخل إلى الأراضي السورية آلاف الجنود والآليات الأتراك لعرقلة حق السوريين في تطهير أرضهم من الإرهاب؟ إن نظام أردوغان ومن ينتصر لجرائمه هذه جميعهم يحاربون الحياة الوطنية بأبعادها ومستلزماتها وضرورتها في الجمهورية العربية السورية.
ولكل من يحاول في هذا السياق ادعاء الحرص على البعد الإنساني عليه أن ينتصر بالدعم والتأييد لحق السوريين في عودة الحياة الوطنية، ومؤسسات الدولة الوطنية، وفتح المعابر لخروج الأهالي من المناطق الساخنة إلى حضن الوطن، وتسهيل وصل الطريقين M4 ،M5 بين شمال الوطن وجنوبه، وشرقه وغربه، ويبدو أن هذا الحق والذي بدأ يتحول إنجازاً هو أهم مظاهر انتصار السوريين في العدوان على وطنهم.
بالنتيجة: إن المناخ السيّىء الذي تعمد العثمانية الجديدة إلى تعميمه في هذه المنطقة من العالم سيجعل الأجيال الطالعة من شعوبها (ولا سيما العرب والكرد)، ودولها (العربية وغيرها) تفكّر في إعادة النظر في مختلف الاتفاقات والمعاهدات السابقة مع تركيا.. وليس مستبعداً أن يودي نظام أردوغان بتركيا إلى (الرجل المريض) الثاني بعد أن بنى هذا النظام نظريته في (العمق الاستراتيجي) على الانتصار للإرهاب في سورية وليبيا وغيرهما، ما سيجعل دموع التماسيح دماءً.
د. عبد اللطيف عمران