اقتصادصحيفة البعث

تمويل المشاريع الاستثمارية أم سدّ عجز الموازنة..؟ رغم أنها “طاقة الفرج” .. بعض المصارف تتخوّف من تسرّب سندات الخزينة إلى مسار النفقات على حساب تحريك عجلة الاستثمار

 

بعد اعتمادها كأحد الحلول الأساسية الاقتصادية منذ وقت طويل، ومطالبة العديد من الاقتصاديين بضرورتها، طُرحت سندات الخزينة وتم الاكتتاب عليها من المصارف العامة والخاصة، وعلى الرغم من ذلك لا ننكر أهميتها في الوقت الراهن ولاسيما بعد تأكيد ضرورة تمويلها للشق الاستثماري الحكومي وفق ما أكدته وزارة المالية، حيث أعلنت تلقيها جملة من المشاريع الاستثمارية العائدة لبعض الجهات العامة ستتم دراستها وفق أولوية التوجّه الحكومي ويصار إلى تمويلها وجني ثمارها في مدة أقصاها سنتان -الفترة الزمنية للسندات- لتستطيع دفع الفوائد المترتبة على الـ150 ملياراً وإعادتها بعد انتهاء المدة.

تخوّف مشروع
إلى هنا لا تزال الأمور في نصابها وتطغى عليها فرحة المصارف لجهة توظيف جزء من سيولتها في ائتمان صفر المخاطر، بعد جمود قنواتها التسليفية وتحوّل السيولة إلى عبء مادي مرهق، وتأكيد جميع مديري المصارف أن السندات فتحت باباً مهماً لتحريك السيولة الراكدة إذ شارك المصرف التجاري والعقاري بـ45 ملياراً لكل منهما حسبما أعلن عنه في الاكتتاب حيث سمح بالمساهمة ألا تتجاوز ما نسبته 30% من قيمة السندات، ولكن ماذا لو تم استثمار قيمة السندات في شق الإنفاق الجاري وتدوير السندات القادمة إلى الاستثماري، إذ بثّ أحد المصادر المطلعة في المصرف العقاري تخوّفاً من انحراف السيولة إلى الإنفاق، وبالتالي ستفقد السندات ذلك البريق المنتظر بتحريك عجلة الإنتاج والاقتصادي الوطني رغم ضمان أموال المصرف ضمن هذا الاستثمار، إلا أن التخوف يصبّ باتجاه ألا توظف الكتل النقدية المحصّلة من السندات في بوتقة الاقتصاد الكلي، ولاسيما أن حماس المصارف انطلق من هذا المبدأ الكفيل بانتعاش المسار الاستثماري الذي ينشّط محافظها التسليفية لاحقاً، وبيّن المصدر أن تجربة طرح سندات الخزينة في عام 2008 تم طرحها كتجربة، ورغم نجاحها وكان المصرف آنذاك قد ساهم بمبلغ قارب أربعة مليارات لم يتم استردادها بعد انتهاء فترة الاستحقاق بموجب قرار من المصرف المركزي الذي حوّلها إلى احتياطي للمصرف وهو أمر ليس سلبياً، ولكن الحاجة إلى السيولة آنذاك أرخت بثقل القرار على المصرف، واليوم تظهر تساؤلات مشروعة حول إمكانية قدرة وزارة المالية على استثمار الأموال في المشاريع، ولاسيما أنه لم تُعلن أسماء الجهات أو المشاريع المستهدفة بها، أو الإعلان من الجهات نفسها عن مشاريعها الاستثمارية، يضاف إليها الإعلان المسبّق عن طرح سندات في الشهر الثامن من العام الحالي..؟!.
غير مجدٍ
ظهرت تساؤلات كثيرة عن ماهية هذه المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية العالية التي يعوهل أن تثمر خلال سنتين من إنشائها، وبالتالي يفترض التوجه إلى المشاريع الزراعية والصناعية القصيرة الأجل التي من شأنها توفير المنتج المحلي والإقلال من المستوردات والعمل على صناعات تصديرية تستهدف الأسواق المجاورة بناءً على دراسات احتياجاتها لتوفير القطع الأجنبي لما لها من آثار مهمة في رفد الخزينة وتعويض العجز الموجود، إلى جانب مكافحة التضخم وتحريك الأسواق المحلية وتنشيط القدرة الشرائية للمواطنين، أما التوجّه إلى تأهيل البنى التحتية كما تم التصريح عنه والمفترض أنها من المسلمات المتوجب أن تعمل عليها الحكومة، فهو غير مجدٍ لأنه استثمار غير مباشر “سريع” وإن كانت له انعكاسات غير مباشرة على المشهد الاستثماري كله، وهنا تجدر الإشارة إلى وجود العديد من المدن الصناعية والمناطق الجاهزة والمخدّمة كحسياء وعدرا والشيخ نجار ولكن لم تزل الاستثمارات تشكّل ما دون الـ40% فيها، ولم تشجع المستثمرين بشكل كافٍ لأن الإشكالية الأساسية تتعلق بقوانين الاستثمار وتسهيل التمويل رغم أهمية البنى التحتية المؤهلة لإقامة تلك المشاريع..!.

لا يهمّنا..!
مدير المصرف العقاري الدكتور مدين علي اكتفى بقوله “جيدة”، أما مدير المصرف التجاري الدكتور علي اليوسف فبيّن أن سندات الخزينة إحدى أدوات السياسة النقدية والمالية التقليدية وكان من المفترض طرحها قبل استخدام الأدوات غير التقليدية، وعلى الرغم من أنها خطوة متأخرة إلا أنها فرصة لتحريك السيولة الخاملة التي تفوق الـ500 مليار القابلة للتسليف، مؤكداً أن المصرف كان يمكنه المساهمة بكامل قيمة السندات إذا أُتيحت الفرصة له، وتحفّظ على تساؤلنا حول تخوّف المصارف من انسياب الأموال في غير الاتجاه الاستثماري لأن الأمر يبقى مسؤولية وزارة المالية في كيفية استثمارها، وما يهم المصارف أنها قنوات تسليفية خالية من المخاطر، بالإضافة إلى سعيه إلى تنشيط قنواته التسليفية الأخرى، كاشفاً عن حصول المصرف على موافقة طرح قرض لشراء متجر أو مسكن بسقف حده الأعلى 100 مليون متاح لكل الشرائح وسيتم طرحه بعد إعداد البرامج الالكترونية الخاصة به.

طاقة الفرج
ذهب الخبراء الاقتصاديون إلى منحىً مغاير للتخوّف، إذ بيّن الدكتور علي كنعان أن الإشكالية الأساسية تكمن في طرح هذه السندات للمصارف فقط، إذ كان من الأجدى طرحها للاكتتاب العام وطرحها في سوق الأوراق المالية لتجفيف السيولة وتخفيض المضاربات بالقطع الأجنبي وبالتالي تحسين سعر صرف الليرة السورية، ولكن المصارف وجدت في هذه السندات “طاقة الفرج” لتوظيف فائض سيولتها دون تخوّف، فالمصارف لا يهمها الاتجاه الذي ستنفق فيه السندات بل ما تهتم به هو التوظيف والتحصيل الآمن والمخاطر المعدومة، دون النظر إلى الأثر الاستثماري الذي كان بإمكانه القيام به عبر تسهيل التمويل للصناعيين والمستثمرين مباشرة، ولم يؤكد الإشكالية بعدم وجود مشاريع استثمارية ذات جدوى اقتصادية سريعة لأنه قد يكون هناك مشاريع استثمارية ستساهم السندات الدوارة في استكمالها وتمويلها، مؤكداً ضرورة انتقاء المشاريع مع هيئة تخطيط الدولة والجهات المعنية ليتم اختيارها، كما بيّن أنه لا فرق في وزارة المالية بين السندات، فقد تكون هذه السندات قصيرة الأجل لسدّ عجز الموازنة وتمويل الإنفاق الجاري وأخرى لتمويل الاستثمار، لكن عادةً لا تفصح وزارة المالية عمّا إذا خصصتها لأحد الاتجاهين، مشيراً إلى أنه من مصلحة وزارة المالية في حال وجدت سعر الفائدة مغرياً أن توظف الأموال في مشاريع استثمارية، أما إذا كان منخفضاً فتوظفها في الإنفاق الجاري، وفضّلت طرح السندات على الإقراض من المصرف المركزي تلافياً للتضخم المصاحب له.
فاتن شنان