تحقيقاتصحيفة البعث

بات طقساً اجتماعياً عيد الحب.. مواقف وانتقادات تلاحق المهتمين به وأسواق تجارية تنتظر التسويق والربح

 

لم يعد يوم الحب في الرابع عشر من شباط مناسبة تذكيرية فقط يمر عليها السوريون مرور الكرام دون احتفال أو تحضير أو استقبال، بل أصبح عنواناً ثابتاً لمعظم عشاقه يحتفلون فيه، ويبتاعون الهدايا رغم ظروفهم الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، وكأنه نافذة للأمل، أو مساحة منتظرة للمحبة تفتح فتنسيهم الضغوط الكثيرة التي ترافق يومياتهم، فتذكرهم بالمحبة التي يأمل معظمهم أن تكون حالة مستمرة يعيشونها على مدار العام، في المقابل تبدو الحملة كبيرة على صفحات التواصل الاجتماعي، وفرصة لنشاط اقتصادي بصبغة حمراء، نشاط يروّج للثياب، و”الدباديب”، والورود ذات اللون الأحمر، وغيرها من الهدايا التي يتبادلها المحبون والعشاق والمحتفلون بالعيد، وتبدو واجهات المحلات قد استعدت تماماً، واستغلت المناسبة المنتظرة فغيّرت حلتها للأحمر، وواكبت الحدث المنتظر أملاً بنشاط تجاري ينعش الأحوال المتعبة.

ضغط اجتماعي
يبدو ملفتاً ذلك التباين الاجتماعي الملاحظ في طريقة الاحتفال، واستقبال يوم الحب بين فئة وأخرى من السوريين، بين من يجعلون الاحتفال فيه طقساً اجتماعياً مقبولاً، وعرفاً ثابتاً، فيشكّلون حالة من الضغط الاجتماعي على بعض العاشقين، أو حتى الأسر والعائلات بمطالبتهم وسؤالهم المتكرر لهم عن الهدايا التي قدموها أو ابتاعوها لبعضهم، أو المكان الذي يعتزمون فيه قضاء يوم الحب، وبين فئات أخرى تنتقد وتتهكم، وتجعل من أي تفصيل يتضمن الأحمر ومشتقاته محطاً للسخرية، والإشارة المستمرة بالنقص أو العيب، حيث يؤكد بعض الشبان والفتيات تجنبهم ارتداء الألوان الصاخبة والحمراء للخروج من المنزل، وإخفاء أية إشارات أو تلميحات عن كونهم يشاركون العشاق فرحتهم، لئلا يسمعون النكات والانتقادات، أو يضعون أنفسهم تحت الأضواء في مجتمع يهتم بأدق التفاصيل، فيتابع وينتقد أفراده على كل سلوك غير مألوف أو خارج عن السياق المتوقع الذي درجت عليه أكثريتهم، يؤكد أبو عادل رب الأسرة أن الحياة تدفعنا في مواقف كثيرة كي نكون متناقضين، فنفعل ما لا نؤمن به لمجرد أننا نخشى من المجتمع، أو ربما لأننا نخشى الانتقاد، فنجامل كثيراً، ونبدي ما لا نشعر به حقيقة، وربما يكون البعض منا يرغب بالمشاركة في حدث أو نشاط مثل يوم الحب على سبيل المثال، لكن انتقادات المجتمع وآراءه تدفعنا لأماكن أخرى.

اختيارات متعددة وموضة
في المقابل تبدو المحال التي نشرت الألوان الحمراء على واجهاتها غير مكترثة كثيراً بحديث القبول الاجتماعي، والرضى على هذا العيد أو عدمه، وتستعد لبيع هداياها للعاشقين والمحتفلين، فالأسعار المرتفعة لبعض الدباديب والورود الحمراء لن تثني عاشقاً عن المشاركة، فجولة في بعض المحلات في محافظة طرطوس أظهرت تشكيلة الهدايا المنتشرة، والأسعار التقريبية لبعضها، لا توجد وردة بلاستيكية حمراء بأقل من ألف ليرة، أما الدباديب فتصل أسعار بعضها لأرقام خيالية لا تناسب دخل السوريين وظروفهم الاقتصادية، دبدوب كبير سعره 250 ألفاً، وتطرح السيدة سمر، صاحبة أحد محلات الهدايا في المدينة، تشكيلة واسعة من الهدايا، تقول إنها درجت هذا العام للاحتفال بعيد الحب، مثل طائر الفلامنغو الذي يمكن أن تجده على الأكواب التي يتبادلها المحبون، وكرات الثلج التي تصل أسعارها لما يقارب الـ 10 آلاف ليرة، وهي عبارة عن كرات شفافة تصدر موسيقا هادئة يمكن أن تكون هدية جميلة في عيد الحب، وغيرها الكثير من الهدايا والأفكار، وكان ملفتاً أيضاً تلك الإعلانات الكثيرة لمحال ومطاعم استعدت لاستقبال اليوم، فاستضافت بعض المطربين، أو أعلنت عن برامج منوعة، ورأت في ذلك فرصة لنشاط اقتصادي وسياحي يستقطبون فيه المحتفلين.

موضة إيجابية
يضع الباحث الاجتماعي كنان الشيخ بعض التصرفات والسلوكيات التي تظهر في حياة الأفراد كالاحتفال بعيد الحب في سياق الأعراف الاجتماعية المقبولة، والموضة الإيجابية عموماً، ويعتبر الاحتفال بعيد الحب حالة تنطوي على الكثير من السلوك النبيل عندما تظهر المشاعر الجميلة كالحب، ويؤكد الشيخ أن مثل هذا اليوم قد يكون فرصة مناسبة جداً لتصحيح بعض العلاقات، والاعتراف بالأخطاء مثلاً، أو الاعتذار عن تصرفات سلبية، وهناك الكثير من القصص التي يمكن الحديث عنها في هذا الأمر، فاليوم لا يختصر الحب، ولا يلغى في باقي أيام السنة، لكنه يكون فرصة للتعبير عند أفراد المجتمع، وبعيداً عن الاستثمار التجاري أو الاقتصادي لهذا اليوم، أو بعض الانتقادات السلبية كارتداء تصاميم معينة من اللباس فقط لأنها تعجب أبناء المجتمع، وتعبّر عن الشخصية المثالية من وجهة نظرهم، وذلك بحكم العادات والتقاليد الموجودة لديهم، يرى الشيخ أن عيد الحب أصبح حالة اجتماعية مقبولة ومتفقاً عليها، ليس لدينا فقط، بل في دول أخرى كثيرة حول العالم.

آثار سلبية
ويتحدث الشيخ عن آثار مختلفة تولّدها ضغوط المجتمع الرافضة أو المتقبّلة لهذا اليوم، منها العضوية والنفسية التـي تؤدي إلى الوقوع في العديد من المشكلات الاجتماعية، فيجب على الفرد أن يضع حدوداً لها ما استطاع، فاستمرارها يعني قلة الإنتاج، ويبشر بمجتمع مريض هزيل، الأمر الذي يدفع إلى ضرورة تحسس مصادر الضغوط الواقعة على كل شرائح المجتمع تمهيداً لإعداد البرامج لخفضها، ومن ثم إزالتهـا، ليأخـذ المجتمع طريقه نحو النماء، ويختم بالقول: من المؤكد أن الجميع معرّض لضغوطات الحياة المختلفة، ولكن ليس الجميع يحمل الانهزامية والرؤية السوداء، ويجعل نفسه فريسة لتلك الضغوطات، وهذا الأمر يعود إلى طبيعة الشخصية، والتنشئة النفسية السليمة لها، والاستقلالية التي اعتادت عليها منذ صغرها، ومدى قدرتها على اختيار ما تريده وما تفضله، وأن تكون قوية الإرادة طموحة مثابرة راغبة في المضي قدماً بما يحقق لها النجاح ويقودها تجاه مستقبل أفضل، والحرية الشخصية هي ما يحدد المشاركة في عيد الحب وغيره من عدمها.
محمد محمود