اقتصادصحيفة البعث

هل “أفلست” حلقاتنا الوسيطة.. أم “شاخت” وحانت مراسم تكريمها؟ بعض مجتمع الأعمال يتهم إدارات الاتحادات والغرف بالعجز عن التحاور مع الحكومة أو الارتهان لمصالح أعضائها!

 

كإعلاميين اقتصاديين مُتابعين ومُراقبين، لأداء وفعالية مجتمع الأعمال والمال الخاص في سورية، والمتمثل بالاتحادات وغرفه التجارية والصناعية والسياحية وحتى النقابات..إلخ، ومدى تحمّله لدوره ومسؤولياته العامة والخاصة معاً، خلال أعوام الأزمة التسعة، لو أردنا تقييم ما قدّمه هذا المجتمع من مبادرات ومساهمات وأعمال يمكن أن تسجل له تاريخياً كمواقف كبيرة، لناحية إحداث فارق مهم لمصلحة تمتين وتقوية الاقتصاد الوطني، وبالتالي إحداث تغييرات جوهرية ومصيرية ترتقي إلى مستوى تحديات المرحلة وجسامة ما نتعرّض له من منع وتضييق وعقوبات ومعاناة كدولة ومواطنين..، لما وجدنا شيئاً محرزاً ووازناً يجعلنا نرفع القبّعة له، لا بل وجدنا (وباعتراف بعض المتصالحين مع أنفسهم من رجال الأعمال والمال السوريين..، ممن أسروا لنا بالحقيقة والخفايا التي تحكم أداء وعلاقات الاتحادات وغرفها..)، مجتمع أعمال ومالٍ يقيس تعاطيه مع قضايا وطنه بمقياس مسطرة مصالحه الشخصية الآنية، وعلى قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة”، بدلاً من “الكل للوطن”، علماً أن “الكل” هنا هو في حدّ ذاته الجزء “أنا وأنت وهو”..!.
ولعل جرأة الاعتراف، الذي هو الأول من نوعه، من بعض أهل الكار أنفسهم، الذين تمنَّوا علينا عدم ذكر أسمائهم، أن سبب ما نحن فيه، وتحديداً مجتمعي أعمالنا..، تتحمله الحلقة الوسيطة: (الاتحادات وغرفها التجارية والصناعية.. ونقاباتها..)، نتيجة لتقاعسها في مهامها ودورها ومسؤولياتها، سواء تجاه الدولة والحكومة والمواطن من جهة، ومن جهة أخرى تجاه المنتمين لها، توعية وتثقيفاً وتفعيلاً للواجب وتوضيحاً لما لهم وما عليهم..!.

ألم تدرك بعد..!؟
صراحة لا يمكن أن ننسى تلك الجملة التي قالها غسان قلاع رئيس غرفة تجارة دمشق، في وصفه لعلاقة قطاع الأعمال مع الحكومة: “يسمعوننا كلاماً طيباً، فنسمعهم كلاماً طيباً”..!؟.
والسؤال المر: هل بمثل هذا التهكم والتورية والتبطين، استطعنا فعل شيء..؟!، وإلى متى نظل محكومين بمثل هذا الخطاب العقيم، الذي لم يُنتج سوى تأزم أكثر على الصعيد الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، وهل يريدون الضحك علينا أم على أنفسهم، ألا يعلم الأستاذ غسان (الذي نكنّ له كل الاحترام على المستوى الشخصي)، ونظراؤه ممن يطلق تلك “الجمل الخفيفة الدم والذكية”، أنها تخفي الكثير من العلاقات والمصالح الخاصة، التي يقدّمونها على مستقبل ومصير اتحاداتهم وغرفهم، وتطلعاتنا للدور الكبير الذي ننتظر منها تأديته في هذه المرحلة الصعبة، على حساب المصلحة العامة وحتى على حساب مصلحة أصحاب الغرف..؟!.
ألا تدرك قيادات تلك الحلقات، أنه كلما قوي وطننا قويت وزادت أعمال تلك الحلقات، وكلما كانت مستويات الدخل للمواطن جيدة تطوّرت أعمال المنتمين لها وتوسعت..؟، وإلى متى يغيب عن أذهانهم، أن السوق الوطنية المحلية، هي الأساس للتاجر والصناعي..؟، أم أن هذا ليس ببالهم..؟، وفقاً لمصارحة أحد كبار التجار لنا بذلك، الذي اتهم تلك القيادات بالتقاعس في النهوض بمسؤولياتها المرحلية والاستراتيجية، ضاربة عرض الحائط بمصلحة التاجر والصناعي نفسهما، مفضلة “اللهم نفسي” كرمى كرسي أو إرضاء مسؤول…!.
أمر دفع أحد رجال الأعمال إلى اتهام تلك الحلقات، بأنها إما عاجزة معطلة، وإما مرتهنة للأشخاص..!. فهل شاخت تلك الحلقات والحاكمين لزمام أمرها ومصيرها، وقد آن الأوان لمراسم تكريمها وإحالتها إلى التقاعد..؟. برأينا، نعتقد أن الوقت حان.

فائض حكمة لا مال..؟!
بالمقابل هناك أصوات نعتقد أن سماعها قد وجب، فبعد لقاء الحكومة مع قطاع الأعمال مؤخراً، وما قاله حاكم مصرف سورية المركزي، حيث اتهم الأخير طروح التجار بأنها ترمي الكرة في ملعب الفريق الحكومي، وأن حديثهم حول عدد من القضايا التي أثاروها خلال الاجتماع، منفصل عن الواقع، وكأنه يُطرح في عام 2010 وليس في عام 2020، ولا ينمّ عن أية شراكة مع الحكومة..إلخ، إذ تشير هذه الأصوات إلى أننا بحاجة إلى فائض الحكمة في هذه المرحلة وليس إلى فائض المال، والحكمة باعتقادنا تقول: لا يمكن النظر بعين واحدة فقط، بمعنى لا يمكننا انتقاد الدولة والحكومة، وإذا كنا منطقيين فالقطاع الخاص والسوق هو من مسؤولية قطاع ومجتمع الأعمال الممثل بالاتحادات والنقابات وليس الدولة والحكومة فقط، وهذا يتقاطع ويلتقي مع ما قاله رئيس مجلس الوزراء لقطاع الأعمال معوّلاً عليه أن يضطلع بدوره ومسؤولياته تحت عنوان “المواطن السوري” لأن التجار شركاء حقيقيون للحكومة، مؤكداً “أن الحكومة مسؤولة عن التشريعات والقوانين وتسهيل الخدمات ورسم السياسات، لكن القطاع الخاص هو مرجعية الحكومة بما تجتهده من قرارات، كما أن الاتحادات هي المكوّن الأقوى في كل دول العالم لذلك لابد أن تكون شريكاً حقيقياً للحكومة”.

من أفواههم..؟!
الآن نأتي إلى واقع تلك الاتحادات والغرف..، وسنترك ذلك لفريق آخر من رجال أعمال وازنين عملاً ومالاً وحضوراً، وإليكم ما يرون، يقولون: في جميع مجالات حياتنا توجد حلقة وسيطة مهمّتها إنجاح وتسهيل وتيسير الأمور، ففي العمل الاقتصادي تعتبر الغرف المختلفة: تجارية – صناعيةـ سياحية وحتى النقابات، هي الحلقة الوسيطة بين الحكومة ومن ينتمي وتمثله، ولكن عندما يتوجّه التاجر والصناعي بأسئلته إلى الحكومة مباشرةً، وعندما تحدث إشكاليات على الأرض أو في تنفيذ أي قرار، هنا نسأل: أين هذه الحلقات الوسيطة من الغرف والنقابات؟؛ أليس دورها أن تدرس وتتدارس هذا القرار ثم تبلغه لمن ينتمي إليها؟، أوليس دورها أن تناقشه مع الحكومة أو الجهة المصدرة له فتنقل ما يتم الاعتراض عليه من قطاعها..؟؛ وبالنتيجة أليس دورها أن تقرّب وجهات النظر فيخرج القرار بالشكل المناسب لكل الأطراف؟! .
ويضيفون: إذا كانت هذه الحلقات الوسيطة تقوم بدورها فلماذا هذا التخبط وعدم الاستقرار في الأسواق ولدى مجتمع الأعمال..؟. بالتأكيد تتحمل الحلقات الوسيطة جزءاً مهماً من هذه المسؤولية، ولا يمكن تفسير تراجعها أو حالها إلا بأنها: أما عاجزة وإما معطلة وإما مرتهنة؛ وبكثير من الصراحة يرون أنها إما عاجزة بأعضائها وإمكانيتهم عن التحاور مع الحكومة، وإما معطلة من جهات ما، وإما مرتهنة لمصالح أعضائها، أو أن هذه الأسباب تعمل مجتمعةً وهو ما قد يكون الأكثر واقعية.

آن الأوان..؟
في جميع هذه الأحوال يبرز تساؤل منطقي: إذاً لماذا وما الداعي لاستمراريتها؟ أوَما آن الأوان لتولي أشخاص آخرين مسؤولية المهام المنوطة بها..؟.
إذا كان ما تقدّمه الغرف اليوم هو أقصى ما تستطيع القيام به في هذه الظروف، فهو بلا شك أقل مما تتطلبه وتحتاج إليه المرحلة الراهنة مما يستدعي تولي رجالات آخرين لديهم رؤية مختلفة وإمكانيات أكبر قادرة على الارتقاء بعملها وأولوياته لمستوى خطورة هذه المرحلة ومواجهة صعوباتها، مرحلة لا تتحمل المجاملة أو المحاباة، مدركين أن استقرار جميع فئات المجتمع والأسواق هو أمر أساسي لتجاوز هذه المرحلة الحرجة من الأزمة بأولوية امتلاك فائض من الحكمة في القرار والتعامل.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com