ثقافةصحيفة البعث

نذير نصر الله.. بصيرة صامتة

في ندوة تحية للفنان التشكيلي الراحل نذير نصر الله التي دعت إليها جمعية شموع السلام مؤخراً وأقيمت في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة التقى فنانون وأصدقاء له، واختلطت الذكريات مع الحديث عن مسيرته الغنية في عالم الفن التشكيلي الذي أخلص له حتى النهاية، وأكدت رباب أحمد مديرة المركز في تقديمها للندوة أن الراحل فنان تشكيلي كانت له بصمته الخاصة، فتفرّد بإيقاع لوني وأسلوب اختص به وهو الذي مارس جميع أنواع الفنون التشكيلية (نحت، حفر، غرافيك، تصوير زيتي، خط) منوهة إلى أنها كانت طالبته في كلية الفنون، وقد ترك انطباعاً لن تنساه ينم عن تواضع وابتسامة لا تفارق وجهه، وقد درَّس طلابه بكل حب، وكان من محاسن الصدف وبعد سنوات طويلة أن تلتقي به وكان محتفظاً بنفس الابتسامة التي كان يستقبل طلابه بها في الكلية، مجسداً بسلوكه مقولة “الفن والأخلاق صنوان متلازمان”.

شاعرية مبدعة
ويبيّن د.عبد الكريم فرج الذي تربطه بنذير نصر الله صداقة قديمة أن في أعمال نصر الله بصيرة صامتة فائقة الوصف لما تحمله من حياة وروح، فقد مثلت لوحاته الغرافيكية مجموعة من الأفكار وكانت لديه قدرة عجيبة على تطويعها بلا تقانات معقدة وبسلاسة غمرته وحياته الفنية التي تشرَّبـت بتأثيرات خاصة جداً ميّزت مسيرته الفنية، وخاصة باتجاه الرسم الغرافيكي المعاصر، مشيراً فرج إلى أن الراحل امتلك قدرة التعبير عن إحساسه الداخلي بممارسات أوصلته إلى تكوينات تجريدية شاعرية مبدعة ترفض عتمة الموت وتبعث الحياة من جديد في الفنون التي أتقنها، فشكلت أعماله إرثاً إبداعياً، منوهاً فرج إلى أن الراحل عُرف بشخصيته وإرادته القوية التي كانت لا تعرف الملل وبقدرته الكبيرة على التغلغل في مسارب تقنية ومعرفية متعددة من خلال ممارسته لكل أنواع الفن التشكيلي، منوهاً إلى أنه كان منفتحاً وباسطاً تجاربه أمام كل الزملاء وهو الذي كان يعطي بلا حدود، متذكراً فرج في حديثه إحدى مشاركات نصر لله في أحد المهرجانات الدولية في إسبانيا والذي استمر لعدة أيام وقد تضمن مجموعة من الأعمال الأصلية لفنانين أسبان وآخرين من دول مختلفة، فكانت أعماله في المهرجان مترابطة ومتناغمة ومتآلفة بنظامها الحروفي الموسيقي، وشكلت بمجموعها مهرجاناً تزاحم الجمهور أمامه إعجاباً وتقديراً.

تمتمات الحرف
ورأى الباحث أحمد المفتي أن الندوة عبارة عن أمسية وفاء لذكرى فنان عبر إلى الحرية وانعتق من ربقة الجسد إلى الفناء المطلق ليجد السكينة بعد رحلة استغرقت 73 سنة مرت كومض في هزيع ليل بهيم، مبيناً أنه عرف الراحل وعرف فيه الوفاء كيف يكون، ورافقه وصادقه وعرف الصدق كيف يكون، وقد رأى فيه الفنون وهي تتماهى في معانيها، فكان المصور والنحات المبدع الذي جمع كل السمات لتنصهر في أسلوبه الموسيقي الرائد، حيث نثر المقامات الموسيقية على لوحاته، متذكراً أن أول لقاء معه كان في رحاب كلية الفنون الجميلة حينما جاء الراحل مستفسراً منه عن أقلام القصب والأحبار وصناعتها والورق ومعالجته والألوان وكيفية استخراجها، باحثاً كأستاذ عن طريقة لتصنيع الورق لطلابه، ومن يومها دخل ذاته دون استئذان لتصبح ذاتاهما واحدة تعشق الجمال وتتطلع إلى تمتمات الحرف حين يتراقص في فضاء اللوحة، يبدع سيمفونية موسيقية لا يدرك كنهها إلا من دخل محراب الجمال وغاص في كنه الحرف وأدرك ما وراء الخط كنصر الله الشفاف الذي اعتكف في محراب الفن وعرف معنى الحب وجسَّده في كل أثر من آثاره وبكل خط من خطوطه، فعرف بشفافية اللون والخط والحرف التي لا يمكن أن نراها إلا عند نصر الله.

تجربة إبداعية متميزة
وأشار د.كمال محي الدين حسين إلى أن نصر الله الذي كان مبدعاً في أي محترف يدخله، وقد رسم لوحات من موسيقا ونغم، وكان له دور كبير في تطور مسيرة الفن التشكيلي السوري، وقد امتلك تجربة إبداعية متميزة وأسلوباً فنياً يجمع بين الأصالة، فقضى حياته في البحث والتنقيب والاكتشاف في لوحاته، متنقلاً بين الحفر والتصوير الملون والنحت، وكان يصنع شيئاً من لاشيء، فأبدع وأنتج إنتاجاً كان جديراً بعرضه في المحافل الدولية التي حاز فيها على جوائز: الجائزة الأولى في معرض الغرافيك والخط والموسيقا في فرنسا، الميدالية الذهبية في الشارقة، كما يقتني لوحاته رئيسان فرنسيان وتعرض المكتبة الوطنية في باريس عدداً من لوحاته، إضافة إلى معهد العالم العربي في فرنسا، مشيراً إلى أن نصر الله من مواليد دمشق 1946تخرج في كلية الفنون الجميلة عام 1974 ويحمل دبلوماً من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس عام 1984 وعمل مدرساً في قسم النحت بكلية الفنون الجميلة بدمشق ويُعتبر من فناني الرعيل الثالث، وقدم عطاء غير محدود في مجال التدريس في كلية الفنون الجميلة وفي مسار الحركة التشكيلية السورية.
يُذكر أن الندوة تضمنت أيضاً عرض فيلم يرصد مسيرة الفنان الراحل من إعداد الإعلامية إلهام سلطان التي أدارت الندوة، كما افتتح وسيم مبيض مدير الثقافة بدمشق وأبو الفضل صالحي نيا المستشار الثقافي الإيراني معرضاً فنياً ضم العديد من لوحات الفنان الراحل نذير نصر الله التي تعبر عن مسيرته الفنية الحافلة.
أمينة عباس