الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

هموم حضاريّة!

عبد الكريم النّاعم

قد يبدو العنوان مُلتبِسا بعض الشيء، إذ الأصل فيما هو “حضاري” أن يكون مُريحاً، مُبْهجاً، لأنّ “الحضارة” هي تلك الأشياء الرفيعة الجليلة التّي عبّرت عن توق الإنسان للأعالي، وعن تقديم ما ينفع الناس بعامّة، حتى المُبتكرات الآليّة التي لها جانبان جانب ضار، وجانب نافع، والتي هي من “المدنيّة”، ولا تدخل ساحة “الحضارة” إلاّ بقدر مساهمتها فيها،.. حتى هذه لا يؤخذ منها بالمنظور الحضاري إلاّ جانبها الايجابيّ.
مع ما سبق فهمومنا الآن، في سوريّة المُحاصرة ظلماً، وبلطجة من قبل الأزعر التاريخي أمريكا، بمن معه.. همومنا صارت ذات صفة حضارية بصيغة ما!!. وسأقدّم لكم باقة من بعض هذه الهموم، شاكياً، وعارضا، ومضغوطا حتى الاختناق. -لم تعد مشكلتنا مع (قلّة) الكهرباء، والتي هي عنصر أساس من عناصر الحياة والحضارة، ورغم أنّني أعرف أنّ الحصار الحاقد وراء (معظم) ما نعاني منه، فإنّني أتكلّم عن الجانب المتعلّق بإدارتنا للأمور.
أربع ساعات عتم، ساعتان ضوء، غير أنّ هاتين الساعتين ليستا صافيتين، يجئ تيّار الكهرباء لدقيقتين ثمّ يتقطع خمساً، أنا أعرف الأسباب، وأقدّر رجال طوارئ الكهرباء الحاملين أعباء شاقّة منذ بداية هذا الحريق الذي أوقدته الأيادي المُشتراة من قبل الصهيوأعرابيّة، ولكنّني أتساءل أين هو ضبط المخالفات، والاستجرارات، وسرقات التيّار، فهذا جانب له علاقة بمسألة حسم الأمور بحزم، وبشدّة تردع المعتدي، لا على مستوى الفقراء المساكين فقط، بل وعلى مستوى حيتان المال، مع مَن يلوذ بهم، ويشكّل مسنداً ضروريّاً،.. وهكذا لو حسبنا مدّة الكهرباء الحقيقية في الساعتين فلن تتعدّى النصف ساعة على أحسن تقدير!.
أن تعرف الأسباب البعيدة والقريبة لكلّ مجريات ما أصابنا، وما نعايشه مع كلّ نفَس صاعد أو هابط،.. أن تعرف ذلك فإنّه لا يزيل التوتّر داخلك ، بل هو يحرّضه باتجاه المطالبة بإيجاد المَخارج.
-تريد أن تكتب شيئا على الكمبيوتر، كما أفعل أنا الآن، وهذا لا يمكن دون كهرباء، وأنا في هذه اللحظة أكتب والساعة الثالثة وأربعون دقيقة ليلا، إذ صار عليّ كي أُنجز بعض ما يجب إنجازه، أن (أعيّر) نفسي على ما يناسب مجيء الكهرباء، وبظني أنّ الساعات المتأخّرة من الليل هي الفضلى لمن يريد أن يستفيد منها!!
-انقطاع الكهرباء يعني الانقطاع عن عوالم التلفزيون التي أصبحت جزءاً أساسيّا من حياتنا، ومن توعيتنا، ومن ثقافتنا، وهكذا يكون الإعلام الوطني المُقاوم في حالة محاق معظم الوقت، وعلينا أن لا ننسى طلاّب الجامعات وامتحاناتهم، وتلاميذ المدارس من الابتدائي مرورا ببقيّة الحلقات التعليميّة.
-معاناة أن نستطيع الحصول على الراتب من الصرّاف الآلي مرتبطة بالكهرباء هي معاناة حقيقيّة، ففي العتم، والليل المشحون ببرودة هواء ثلجي يقف أمثالنا في طوابير مُخيفة بانتظار وصول الكهرباء، والكهرباء تلعب معنا لعبة (الغمّاية)، فهي حين تأتي ما تلبث أن تنقطع، وهكذا دواليك، فأيّ قهر وأيّ صبر؟!.
-لا يمكن ذكر الهموم دون المرور بمسألة المازوت، يا جماعة، ما ذا تفعل مئتا ليتر طوال أشهر الشتاء؟!.
أيّها الذين عُهد إليكم بمسؤوليات في الدّولة هل فكّرتم أن تقوموا بجولة اطّلاعيّة لتتعرّفوا إلى معاناة العباد ومشاكلهم؟!.
هل تعلمون أنّ فينا المريض المريض، والذي يجرّ نفسه جرّاً، والذي لا يأتي إلاّ لأنه يعلم أنّ ذلك “الرّاتب” هو كلّ ثروته، وأعداد كبيرة منّا تجاوزت الستين والسبعين عاماً، أم أنّ آخر ما يفكّر به البعض أن يخطر هؤلاء ببالهم؟!!
يا أيّها الذين عُهد إليكم بأمانات ستُسالون عنها، هل تعلمون أنّكم تجلسون على كراسيّكم، وتشعرون بالدّفء والأمان بفضل أبناء هذه الشرائح الاجتماعيّة الفقيرة في المدينة والرّيف، الذين مازالوا منذ تسع سنوات يقاتلون على مختلف الجبهات،؟! هل تعرفون ذلك أم أنّ هذه الشرائح لم يعد لها أيّ حساب عند الذين لا تعرف بيوتهم العتم، ولا يعرفون ما هي أزمة الغاز، ولا ما هو جنون الأسعار، ورواتبهم تكفيهم وتزيد؟!!.
aaalnaem@gmail.com