ثقافةصحيفة البعث

ألم اللجوء وأمل العودة في “أيام الرحيل”

يعتبر الأديب يوسف جاد الحق واحد من ثلاثة ممن يعدون أول رواد كتابة قصة النكبة الفلسطينية، ولا أحد وصفها وصفاً دقيقاً مثله، فهو البحر الصاخب والمتوثب دائماً للكتابة والإبداع، وتحت عنوان “ألم اللجوء وأمل العودة في رواية أيام الرحيل” أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب جلسة نقاش أدبي في الرواية أداره صبحي سعيد الذي قدم لمحة تاريخية عن حياة الأديب جاد الحق وأهم رواياته ومجموعاته القصصية.

واقع الرواية

رواية “أيام الرحيل” هي صورة لواقع كان قائماً، وقد تحدث د.عبد لله الشاهر عنها بالقول: تناول الكاتب أحداثاً ووقائع كان يخطط لها بوعي قابلناها بشيء من السذاجة، الرواية في غالبيتها تتحدث عن واقع سبق النزوح الأول للشعب الفلسطيني وكيف حدث أن تواجد الصهاينة في فلسطين تحت رعاية وحماية الانتداب البريطاني، الذي هيأ أرضية كافية للصهاينة بل إنه كان أستاذاً لهم في القتل والتدمير والتشرد.

واعتمد الكاتب على عدة نقاط في البنية الروائية عالج فيها أحداث روايته: المشهدية في سرد أحداث الرواية حيث بلغت المشاهد تسعاً وسبعون مشهداً وبدا من خلال ذلك أنها تسير وفق تسلسل منطقي وتاريخي، وأودع الكاتب في روايته تفاصيل دقيقة وصوراً بعيدة تنم عن ذاكرة نشطة قد أثرت فيه مثل المدرسة، معسكر الإنكليز وتفاصيل بيته، وأعطى صورة عن مستوى الوعي العام لدى الناس في تلك الفترة وتعاملهم مع معطيات المدنية التي وضعت بين أيديهم.  واعتمد في بنية الرواية السرد الروائي وفق التسلسل التاريخي وبأسلوب واقعي أدى إلى بينة حكائية متماسكة وفق مشهدية واضحة ومترابطة بأحداثها وشخصياتها التي سادت فيها شخصية البطل الراوي الَّذي تلقينا من خلاله جملة الأحداث التي عرضها بذاتية، ويتضح من خلال السرد الأثر الكبير لشخصية الأم ومدى تأثر البطل بها مع غياب لشخصية الأب الذي شهد مصرعه إثر إطلاق الرصاص من قبل الجنود الإنكليز ومع ذلك تبدو المشاهد بجملتها غنية وفاعلة ومؤثرة ومترابطة بسبب دقة الوصف وغناه مع غياب حالات الحب أو الحالة العاطفية.

وأضاف الشاهر: اللغة التي تعامل بها الكاتب مناسبة فيها إنشائية وصفية بعيدة عن التخيل والتخييل وذلك بسبب الواقعية التي فرضت نفسها حيث سيطر الفعل الماضي على السرد بكل مستوياته، والحوار في الرواية غائب لطغيان شخصية السارد الذي تكفل بسرد كامل أحداث الرواية، والصور في الرواية بسيطة والأسلوب سهل والجملة السردية مناسبة للحدث، والرواية بشكل عام تعد حالة توثيق اجتماعي وسياسي وصورة عن ممارسات الإنكليز والصهاينة في القتل والتدمير والتهجير.

توثيق

ويرى الناقد عمر جمعة أنه في “أيام الرحيل” وبلغة بسيطة يعود الكاتب إلى الأحداث التي أعقبت سقوط قرية يبنا بأيدي الصهاينة واحتلالها في 4 حزيران 1948 ليكشف ما حل بمصائر أهلها الهائمين على وجوههم بعد خسارتهم كل شيء، معرجاً على حالة الوعي السائد المكتفي بانتظار ما سيحدث، وبكثير من الحزن والأسى وبلوعة استذكار تلك الوقائع والأحداث التي مرّ بها الشعب الفلسطيني يماشي الأديب جاد الحق تلك الفاجعة ويؤرخ لبعض يومياتها بلسان الشاب أمين ابن بلدة يبنا، وبعيداً عن الحكايات الفردية والجماعية التي تعجّ بها الرواية من علاقات اجتماعية حميمة وقصص حب تثبت وسط واحات الألم نجد أن الكاتب أراد من هذه الرواية توثيق لأحداث ووقائع كانت مفصلية في تاريخ التراجيديا الفلسطينية، والملمح الذي سيبدو أكثر طغياناً هو محاكمة الكاتب لوقائع تاريخية تفضح خذلان بعض الأنظمة العربية بل وخيانتها لفلسطين وشعبها المنكوب، تلك البلاد التي يدعي البعض أنها مقدسة لديه، فيما يعرض عن جرحها النازف والحال التي آلت إليه من حصار وتجويع وتهجير ومحو لهويتها التاريخية والحضارية.

سمات مميزة

بينما تحدث د.ياسين فاعور قائلاً: إنها الرواية الثالثة للكاتب رسم في وسط غلافها صورة الخراب والدمار التي خلفتها أحداث الرحيل وويلاته، وقدم على غلاف روايته وصفاً دقيقاً لأيام الرحيل ونتائج أحداثه، ووصف هجرة أهل يبنا بلدتهم ومعهم أهالي القرى المجاورة الذين لجؤوا إليها في الآونة الأخيرة، وتوجهوا إلى قرية أسدود المجاورة لقريتهم، ملاذاً مؤقتاً حسبما طمأنهم الأخوة قادة الجيش المصري، المرابض عند أسدود وما حولها.

يحلل الكاتب في روايته الأحداث والمواقف، ويستطرد في تفاصيل المواقف العربية لاسيما الجامعة العربية ورئيسها عبد الرحمن عزام باشا، والملك فيصل وقادة الجيوش العربية، ونور السعيد، والجبهة الشمالية سورية ولبنان التي لم يكن في وسعها حسم الأمور وحدها أمام حشد العصابات الصهيونية لأعداد كبيرة أمامها مدججة بأسلحة.

للرواية سمات مميزة تبدو في تأريخ لأحداث جرت مفسرة أسبابها ومحللة نتائجها، ودقة الوصف والذاكرة القوية التي تسرد الأحداث.

جُمان بركات