الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

رحيل المؤرخ سهيل زكّار .. معركته الأخيرة كانت مع الإرهاب

 

“المؤرخون هم الذين يكتبون التاريخ بعيداً عن التزييف لصالح عدد من الناس”، هذا كان مبدأ د. سهيل زكّار الذي تمسك برسالته في خدمة أمته وتراثها الإنساني، وبكل حزن غادرت هذه القامة الثقافية التاريخية الكبيرة على صعيد سورية والوطن العربي والعالم الإسلامي عالمنا في الأمس بعد أن قضى جلّ عمره في البحث وتدقيق الوثائق التاريخية وقدم خبراته طيلة ستة عقود.
أغنى الباحث والمؤلف والمحقق والمدقق والمترجم بموسوعاته ومؤلفاته المكتبة التاريخية العربية والإسلامية، فقد كره الصهيونية والطائفية بقوله “أنا لستُ طائفياً”، وكانت القضية الفلسطينية قضيته الأولى، وقد قال مرة في إحدى مقابلاته عن علاقته بالقائد الخالد حافظ الأسد: “لم أجد رجلاً في فلسطين ولا في دول العرب والإسلام جعل الصراع العربي–الإسرائيلي هاجسه إلا القائد الخالد حافظ الأسد”، ووصفه بالرجل الأول في الصراع العربي–الإسرائيلي.
ضاع حلم زكّار بأن تكون مكتبته الضخمة مركز بحث عن القضية الفلسطينية بعد أن تعرضت لتخريب الإرهابيين وحُرق جزء كبير منها في الغوطة، ورفض محاولة استقطابه أو تجنيده وكان قراره البقاء في بلده لخدمة قضايا وطنه وأمته، ليصبح جزءاً من الذاكرة السورية.
لـ”سهيل زكار” الفضل في التدريس في قسم التاريخ والحضارة، فقد وصف بالمقارع المصادم، بمعنى أنه كان يتصادم بالفكر والتعانق بالقلوب والأرواح مما يدل على التنوع والثراء والتكامل، وكان هاجسه الكبير هو البحث عن الحقيقة في شتى وجوهها، وهذه كانت علاقته مع التاريخ، ليس بوصفه حدثاً مضى وطُويت أوراقه، بل بوصفه حدثاً يؤسس لما بعده، ولهذا وجد محقّقاً عشرات الكتب ويقلّب في مناهجها كباحث ويقف عند لحظاتها الفارقة كمفكر، ويذهب إثر تفاصيلها المتواترة كباحث ينطلق من فلسفة خاصة هي أن التاريخ لا ينتهي بأحداثه الكبرى والصغرى ورموزه. ولد د. سهيل زكار في مدينة حماة عام 1936 لأسرة من الطبقة المتوسطة، إبان الانتداب الفرنسي على سورية، لكن الفتى سهيل الذي اضطر لترك مدرسته وجد نفسه قارئاً لكتب التاريخ، وشغوفاً بالمذاهب والتيارات الفكرية على الرغم من حداثة سنه، بل إن شغفه للعمل حمله على أن يتابع دراسته الخاصة ويتدرج فيها مُعاركاً شرط الحياة وقساوتها، ليصبح مدرساً ومعيداً في كلية الآداب، بعد تخرجه عام 1963، ومنها حالفه الحظ ليذهب إلى انكلترا، ويدفع لوزارة الثقافة آنذاك كتابين مهمين حققهما هما “طبقات خليفة ابن خياط” و”تاريخ خليفة ابن خياط”.