ثقافةصحيفة البعث

في محاضرته “العربية وحرب اللغات” د. جبــــور: أول عنـــاوين رفعـــــة الشـــــأن رفعــة اللغــة

 

بالرغم من أن د. جورج جبور قدم اعتذاره قبل أن يبدأ الخوض في هذا الموضوع الشائك حول “العربية وحرب اللغات” كون اللغة العربية ليست من اختصاصه، وبأن ما أعده كان بروح الهاوي إلا أن من يقرأ البحث الطويل الشيق والقيم، الذي أعده حول الموضوع يدرك أنه أمام محترف بارع غيور على اللغة العربية ومدافع عنها أينما حل.
بالتأكيد الحديث عما قدمه جبور في مجمع اللغة العربية بدمشق تحت عنوان “العربية وحرب اللغات” يحتاج للكثير من الوقت لذا كانت لنا هذه الوقفة الموجزة عند بعض المحطات الهامة التي ذكرها المحاضر من أن للغات حدوداً وكثيراً ما كانت تحددها الحروب شأنها في ذلك شأن القوميات والدول، وللقوة الفعلية على الأرض الدور الأول في حروب اللغات، وبالمقابل هناك من توصلت لغتهم إلى تسجيل غلبة على لغة الفاتح. وعن العلاقة بين اللغات رأى أن هناك تفاعلاً وتقارضاً وتداخلاً وأحيانا علاقات ود وحسن جوار وليس بالضرورة أن تكون بينها حروب إلا أن “الظاهرة الحربية” موجودة ومثالها الأوضح “عبرنة” أسماء الأمكنة في فلسطين المحتلة والتتريك الذي نشهده الآن في بعض الأجزاء الثائرة على الاحتلال التركي في الشمال السوري. وقدم جبور بعض النماذج عن حروب اللغات في عالم اليوم بدأها بذكر إحدى الحقائق التي قد لاتعجبنا، وهي أن الانجليزية تتفوق مع أنها ليست اللغة الرسمية لكثير من دول العالم إلا أنها اللغة الأولى في التداول العالمي. النقطة الثانية هي أن الاسبانية تتوغل في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة ازدياد هجرة مواطني أمريكا اللاتينية، وأن مواطني بعض الدول المتقدمة يزداد إقدامهم على تعلم اللغتين الصينية واليابانية.
أما النماذج الذي ذكرها فهي ثلاثة: الأنموذج الطامح إلى الانفصال معلناً اللغة سببا كافياً أو أولاً لهذا الطموح، ومثاله الأوضح الوضع في إسبانيا، والأنموذج الثاني هو المتشكل منذ عقود طويلة والقائم على أساس العيش المشترك بين اللغات المتوازي المتساوي ومثاله الأوضح الاتحاد السويسري، أما الأنموذج الثالث فهو الذي يقوم على أساس محاولة دعم لغة بعينها على حساب اللغات الأخرى الموجودة في الحيز السيادي دعماً غير معلن ولكنه ليس خافياً ومثاله فرنسا.
وبالحديث عن لغتنا العربية وحرب اللغات في الوضع الراهن قال جبور: العربية هي لغة رسمية منذ النشأة في منظمة الدول الإفريقية– الاتحاد الإفريقي حالياً وكذلك في منظمة الدول الإسلامية – منظمة التعاون الإسلامي حالياً، أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فقد عدلت من أجلها الميثاق واعتبرتها لغة رسمية بعد أقل من شهرين من انتهاء حرب تشرين التحريرية وكان ذلك في 18 كانون الأول 1973، وهو اليوم الذي سمي لاحقاً يوماً عالمياً للغة العربية، وأكد جبور على أن اعتبار العربية لغة رسمية للأمم المتحدة لا يعني أن لغتنا كانت غائبة عن المنظمات الدولية قبل ذلك التاريخ وأعطى أمثلة على ذلك مع الإشارة إلى أن بعض الدول العربية أصدرت قوانين لحماية اللغة العربية، وتحدث عن بعض المعوقات في استعمال العربية وهي كثيرة وهناك معوقان شبه طبيعيين كما يرى وإن لم يكونا بريئين كلية من الافتعال، الأول هو العامية، والثاني هو تكاثر المفردات والتعابير الأجنبية في حياتنا اليومية، فقد أصبح للعامية قواميس متخصصة ومجمع اللغة يرفض هذه الظاهرة، أما عن تكاثر المفردات والتعابير الأجنبية في حياتنا اليومية فحدث ولا حرج. وبالإضافة للمعوقات السابقة ذكر المحاضر معوقاً ذاتياً وهو زهد أبناء العربية بلغتهم مع تأكيده على ضرورة الإحاطة الكاملة بأوضاع اللغات المحلية في بلادنا العربية وضرورة التعامل مع التنوع بروح المسؤولية.
وعن أساليب دعم العربية في حرب اللغات رأى جبور أنه لا يدعم اللغة العربية أمر مثل الوحدة العربية وتحدث عن الخطة الوطنية للتمكين للغة العربية في سورية والتي نجدها حافلة بالكثير من القيم، ومن هذه الأساليب التي تتبعها دولة كان لها شرف تأسيس أول مجمع للغة العربية مع الإشارة إلى أن العربية أتت متأخرة في ترصيع أيام العام بيوم لها، ويتابع جبور: لا أعرف أنه انطلقت مناداة بإحداث يوم للعربية قبل مناداتي بهذا الأمر في 15 آذار 2006 وتحدث عن تفاصيل تجربته الشخصية وصولاً إلى نقل اقتراحه المزدوج إلى المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، وهو بأن يكون للعربية يوم وأن يكون ذلك اليوم هو بدء التنزيل الشريف وكان ذلك عام 2008، وعاد الاقتراحان بقرار يوافق على إحداث يوم ولكنه جعل موعده تربوياً في الأول من آذار من كل عام، والحجة في ذلك أن يكون الطلاب في مدارسهم في ذلك التاريخ وهم المستهدفون، بينما يقع يوم بدء التنزيل في الصيف أيام العطلة المدرسية السنوية.
وختم جبور محاضرته مؤكداً أن موضوع حرب اللغات أو التنافس بينها أو تعايشها المشترك ومكان العربية في ذلك كبير، لأنه من جهة موغل في القدم، وهو أيضا متجه إلى المستقبل، فصانعو المستقبل هم الأكثر نفوذاً في صناعة اللغات مع ضرورة الإصرار على أن على أبناء العربية الكثير ليفعلوه في سبيل رفعة شأنهم برفعة اللغة واستيعابها لحاجات متكلميها ولمتطلبات العصر، وأن يوم اللغة العربية الذي بدأت احتفالاتنا به منذ أكثر من عقد كانت ولادة فكرته من سورية وعلينا أن نعرف ذلك ونذيعه وأن نفخر به.
جلال نديم صالح