تحقيقاتصحيفة البعث

في يومها العالمي.. المرأة السورية تبحث عن حقوقها في منظومة القوانين والتقاليد المجتمعية.. وتواجه التحديات بالعمل والتفاؤل

 

مع اقتراب اليوم العالمي للمرأة، والذي تحصل فيه نساءٌ في دول عدة كالصين وروسيا وكوبا على إجازة، تقديراً واحتراماً للدور والإنجازات التي حققتها ولا تزال على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يسعنا إلا أن نؤكد على أنه وعلى الرغم من التطور الكبير الذي وصلنا إليه لا تزال ملايين النساء يعانين من عدم قدرتها في الحصول على أبسط حقوقها، إضافةً إلى الفجوة الكبيرة القائمة بين النساء والرجال بسبب العقلية الذكورية التي لا تزال مسيطرة على الكثير من المجتمعات.

الأسرة الداعم الأول
رغم أن من الصعب جداً تجاهل القيود التي تُفرض على النساء اللواتي يكافحن لإثبات أنفسهن خاصةً في مجتمعٍ له فكرٌ ذكوري، إلا أن ياسمين العاصي ابنة مدينة دير الزور والتي نزحت إلى مدينة دمشق استطاعت تحقيق جزء من طموحاتها وأهدافها، وتمكّنت من العمل ومتابعة دراستها الجامعية في كلية الهندسة الزراعية. بدأت قصة كفاح تلك الشابة عندما اضطرت لترك مدينتها، لكنها وعلى الرغم من تنقلها في سبع مناطق لينتهي بها المطاف أخيراً في دمشق فإن رحلة النزوح تلك لم تمكن اليأس منها، على الرغم من العذاب الذي عايشته في رحلتها، ما جعلها تكتسب الكثير من الخبرات من تلك التجارب المريرة رغم صغر سنها. تقول ياسمين إنه وأثناء وجودها في منطقة ريفية تُدعى مراط، وبالتحديد على نهر الفرات، خطرت لها فكرة تعليم الفتيات القراءة والكتابة بسبب منع العادات والتقاليد لهن من التعلّم والاكتفاء بجعلهن يعملن بالزراعة، فقررت أن تعلمهن مقابل أن تستفيد من خبرتهن الزراعية ما قد يفيدها في دراستها، في لفتةٍ رائعة منها لمساعدتهن، مضيفةً: إن الداعم الأول لأي فتاة هم الأهل وخاصةً الأب، إذ أن الفكرة السائدة لدى الجميع هي أن المعرقل الأول لطموحات أي فتاة سواء في العمل أو غيره يكون الأب أو الأخ أو الطرف الأقوى في الأسرة، وأحياناً تكون الأم نفسها هي من تمانع، لذلك ومن وجهة نظرها من الضروري وجود حاضنة أهلية لأي شخص مبدع وخاصةً للفتاة لتتمكّن من تحقيق ما تصبو إليه، حيث تحلم ياسمين على اعتبارها تشكل نموذجاً رائعاً للشابات السوريات المكافحات اللواتي لم يستسلمن للظروف بأن تأخذ المرأة السورية مساحةً أكبر في تمثيلها في الحياة السياسية، سواء في المجالس المحلية أو مجلس الشعب لتشكل قوةً وتكون سنداً للدفاع عن حقوق المرأة، فنسبة التمثيل لا تزال دون المطلوب، خاصةً وأنها ربما لم تتجاوز 12بالمئة، مشددة في الوقت نفسه على أهمية التعديل المتعلق برفع سن الزواج للفتاة إلى 18سنة، والذي يشكّل طريقاً لتغيير الكثير من القوانين التي من شأنها إنصاف المرأة لتكون صاحبة قرار تتمتّع بالمساواة مع الرجل.

المرأة بين الواقع والقانون
توضح ريم أحمد عثمان محامية ناشطة فيما يخصّ قضايا تتعلق بالمرأة أن هناك بعض التعديلات التي حصلت على بعض المواد في القانون السوري ولكنها غير منصفة، إضافة إلى نقطة مهمّة جداً، وهي أن بعض القوانين مستمدة من التشريع الإسلامي مثل الإرث، ما يجعل الواقع شيء والقانون شيء آخر، مضيفةً: إن الظلم ليس بالقوانين فقط، فما نفع القوانين إن وجدت ولم تعِ المرأة حقوقها؟ وإن لم يرتقِ المجتمع إليها؟. وتابعت: يتناقض قانون الأحوال الشخصية وبعض مواد القوانين الأخرى كالجنسية والعقوبات على سبيل المثال، (الأمر الدائم لوزير الداخلية رقم 876 لعام 1979م والذي يحدّد انتقال وسفر الزوجة دون موافقة الزوج) مع الدستور السوري الذي يساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، إذ تحمل مواد قانون الأحوال الشخصية تمييزاً ضد المرأة، تشمل حقوق الولاية والقوامة والوصاية والمساواة في الزواج والطلاق والإرث، وحق المرأة في صحيفة مدنية مستقلة، وحقها في العمل والسفر والتنقل وغيرها، إضافةً إلى قانون العقوبات المتعلق بجرائم كالزنا وعقوبة ما يُسمّى جرائم الشرف، وقانون الجنسية الذي يحرم الأم السورية من منح جنسيتها لأولادها مهما كانت الظروف.

أهمية المرأة في المجتمع
هل يكفي المرأة أن يُشار وبخجلٍ إلى حقوقها وأهمية دورها في المجتمع والاحتفاء بها في يوم واحد من كل عام؟ ألا تستحق النساء وخاصة السوريات منهن الحصول على حقوقهن خاصةً بعد ما عانينه من حربٍ دفعن فيها أثماناً باهظة وقدمن فيها أغلى ما يملكن ثمناً لحماية الوطن والحفاظ عليه، لدرجة يمرّ فيها اليوم الاحتفالي وبخجلٍ حتى من دون علم المرأة صاحبة الشأن نفسها بوجوده، مع إعادة الكليشات نفسها بأهمية حصول المرأة على حقوقها أسوة بالرجل، وضرورة إعادة النظر بالقوانين الذي تقف في كثيرٍ منها ضد حقوق المرأة ولا تنصفها، ما يجعلها عرضةً للاستغلال والمتاجرة، والحديث الممجوج عما يُسمّى “جرائم الشرف”، فهل فعلاً الجريمة شرف؟ والعذر المخفف لمثل هذه الجرائم والكثير الكثير من القضايا التي لم يتمكّن القانون السوري حتى ومع دخولنا الألفية الثالثة من حلها!!.

سوريات
إن الذاكرة السورية تزخر بأسماء كثيرة لعشرات النساء السوريات اللواتي تمردن على العادات والتقاليد، وكسرن القيود التي فُرضت عليهن وعملن من دون كلل أو ملل لتحقيق أنفسهن في ظروف غاية في الصعوبة، ما يدلّ على أن الحجج الواهية والأسباب غير المقنعة التي يتذرع بها المجتمع ومن ورائه من يحكمه من أصحاب العقلية الذكورية بعدم القدرة على وضع المرأة في مكانها الطبيعي، والصعوبة بالتغلب على التقاليد البالية والخروج من عباءة التخلف والجهل ليس أكثر من هروب من الواقع، وما تفرضه الظروف علينا اليوم لا يترك مجالاً للشك بضرورة العمل على إعادة النظر بواقع المرأة وعدم التأخر أكثر من ذلك، فالوقت ما زال متاحاً لوضع أسسٍ اجتماعية ومن ثم قانونية تمكّن المرأة من أخذ مكانتها الصحيحة بعيداً عن الترهات، ولأن الشيء بالشيء يُذكر لا بد من الحديث عن قاماتٍ لنساءٍ سوريات قاومن الظروف والعادات في أوائل القرن الماضي، حيث كان المطبخ هو المكان الوحيد المسموح للمرأة حق التواجد فيه.
ولأن بصماتها واضحة الأثر في المجال الطبي ولأننا ودّعناها منذ أيام عدة كان لا بد من تسليط الضوء عليها السيدة “وحيدة العظمة” التي تعدّ أول طبيبة أطفال في الجيش العربي السوري، لتصبح لاحقاً رمزاً للنساء السوريات الرائدات، شأنها في ذلك شأن الدكتورة نجاح ساعاتي أول امرأة كسرت احتكار الرجال لمهنة الصيدلة، وأول امرأة سورية في الأمم المتحدة أليس قندلفت، ما لا يترك مجالاً للشك بأن المرأة السورية تفوقت على نفسها واستطاعت تجاوز الصعوبات والعراقيل.

لا يكفي
ليس المطلوب المرور مرور الكرام والاحتفال بالمرأة في يومها العالمي فقط، لأن هذا لا يكفي ولا يحدث أي تقدمٍ يُذكر، المطلوب هو تكريس العمل وبشكلٍ دؤوب ومتواصل وعلى مدار العام لتحقيق أهداف المرأة وطموحها في أن تحيا حياة كريمة وسط مجتمع يعترف بقيمتها ويُقدّر دورها، مجتمع يبذل كل ما أمكن في سبيل إيجاد حلول للقضايا الملحة المتعلقة بالمرأة، والتي تبدأ بزواج القاصرات ومنع الفتيات من إكمال تعليمهن، وبالتالي ضعف مساهمة المرأة في الحياة السياسية، ولا تنتهي عند حرمانها من حقوق منح أطفالها الجنسية.. إلى ما هنالك من قضايا كثيرة لا تزال عالقة بين معارضة مجتمعية وعادات وتقاليد متوارثة منذ عشرات السنين، هي أشبه بحربٍ خفية تخوضها المرأة لتتمكن من تحقيق ما تصبو إليه ولتأخذ دورها الطبيعي أسوة بالرجل.
لينا عدرة