ثقافةصحيفة البعث

الاحتفــــاء باليــــوم العــربي للغـــة العربيـــــة

 

لم تكن الندوة التي أقامتها اللجنة الفرعية للتمكين للغة العربية في وزارة الثقافة بالتعاون مع مكتبة الأسد الوطنية مجرد فرصة للاحتفاء بلغتنا التي تستحق منا كل تقدير، بل كانت أيضاً مناسبة ووقفة لنعيد تقييم علاقتنا بلغتنا وهل نفعل ما يجب لنحافظ عليها، هذه الأسئلة وسواها كانت جزءاً من المحاور التي تضمنتها الندوة التي احتضنتها مكتبة الأسد وفي تمهيده للندوة تحدث مديرها د. ثائر زين الدين رئيس اللجنة الفرعية للتمكين للغة العربية عن الجهود الحثيثة والمستمرة التي تبذلها لجنة التمكين للغة العربية في وزارة الثقافة ليس فقط على صعيد الندوات والمحاضرات، بل من خلال العمل على أرض الواقع عبر إصدار مجموعة من الكتب في المجالات المختلفة للغة العربية بهدف التمكين للغة ليس على ألسنة أبنائها فقط بل في ضمائرهم أيضاً.

قضية مجتمع
بدأ د. موفق دعبول عضو مجمع اللغة العربية حديثه في المحور الأول تحت عنوان “أعياد العربية ودور سورية في رعايتها” عن تجربته وعلاقته باللغة العربية وذكر أنه ليس هناك يوم واحد فقط للاحتفال باللغة العربية بل ثلاثة أيام أولها اليوم الذي أقرته الهيئة العامة للأم المتحدة والذي تقرر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية في الجمعية العامة، واليوم الثاني هو يوم اللغة الأم الذي أقرته اليونسكو، أما اليوم الثالث فهو الذي صدر عن الجامعة العربية، وأوضح دعبول جانبا على غاية من الأهمية وهو وجود أقليات تشكل جزءاً من النسيج السوري وهذه الأقليات لها لغاتها الخاصة، هذه اللغات نقول عنها (لغة أم) وسورية تعترف بهذه اللغات وتعمل على تقديم التسهيلات لها أما (اللغة الأم) فهي العربية الفصيحة المعترف بها والتي توحد الجميع وهي لغة المؤسسات والجامعات والإعلام. وتحدث دعبول عن دور العولمة في موت الكثير من لغات العالم مع توقع أن يطول ذلك لغات أخرى، كما يؤكد دعبول حقيقة العربية وتمكنها في نفوس أبنائها فضلاً عن ارتباطها بالوضع الديني، فهي لغة القرآن الكريم وهناك دراسات أخرى ترى أن اللغة العربية ستبقى إلى جانب اللغات التي لن تموت. وعن واقع اللغة العربية رأى دعبول أن سورية تحتل موقع الصدارة في هذا المجال ولايجوز لها أن تتخلى عن هذه الزعامة عبر الإصرار أن تكون العربية لغة التدريس في الجامعات الرسمية والخاصة، وأشار إلى الجهود التي تبذلها بعض الوزارات للاهتمام بهذه اللغة مع التأكيد على أن قضية اللغة قضية مجتمع وتبدأ من المنزل المسؤول الأول عن تجذيرها وغرس محبتها في نفوس أبنائها.

أهمية التشريع اللغوي
ورأى د. عبد الناصر عساف عضو مجمع اللغة العربية الذي تحدث في “أدب التشريع اللغوي” أن الأمم والشعوب الحية التي تعتز بذاتها وهويتها تعتز بلغاتها وتهتم بها ما أمكن بما يحفظها ويكفل لها البقاء والنمو، ومن وجوه اهتمام هذه الدول إصدار قوانين وتعليمات وتوجيهات تعنى بحماية اللغة من كل اعتداء. وأكد عساف أن التشريع اللغوي ضروري للحفاظ على سلامة اللغة ليكون سنداً للعاملين في حقلها وداعماً للمؤسسات والمجامع ووسائل الإعلام، كما تحدث عن الضوابط والأصول والأحكام اللغوية ومن ذلك مسألة التعريب التي لاينبغي أن تكون منفلتة دون ضوابط، وكذلك الأمر في وضع المصطلح ومسألة الفتاوى اللغوية التي تتصدى لبيان الرأي فيما يستعمله الناس، وبين عساف سمات المذهب المتزمت في النقد اللغوي بالاعتماد على كتاب نعمة رحيم العزاوي ومن السمات التي ذكرها التمسك بالأفصح وهذا المبدأ يضر باللغة ويحرمها صيغ وأساليب كثيرة ويجعلها في نظر المتكلم وعرة الجانب، ومن ذلك أيضا رفض القياس والاشتقاق ورفض التطور الدلالي. واعتبر عساف أنه من المفيد للغة العربية أن تجري الفتاوى اللغوية وحركة النقد والتصحيح اللغوي على الصور التالية منها: التجرد من العقد والأفكار الخاطئة والابتعاد عن إصدار الأحكام الإرتجالية قبل تصور الحقائق.

التغريب يهين لغتنا
في المحور الأخير الذي حمل عنوان “التغريب اللغوي” قدمت د. منيرة فاعور رئيس قسم اللغة العربية في جامعة دمشق نماذج عن بعض الدول التي بذلت جهوداً مختلفة في سبيل الحفاظ على لغاتها، منها الصين وروسيا وفرنسا واليابان وقارنت ذلك بالدول العربية التي تدرس في جامعاتها باللغة الأجنبية باستثناء الجامعات السورية التي تصر على التمسك باللغة العربية، وعن التغريب رأت فاعور أنه بالرغم من أن العربية لغة الملايين من العرب ولغة الشعائر الدينية للكثيرين حول العالم ورغم احتلالها مرتبة مهمة بين أكثر اللغات انتشاراً وتأثيرها في الكثير من اللغات الأخرى، إلا أننا نوجه الإهانات للغتنا وهذا يبدو بوضوح في مظاهر التغريب وأولها استعمال الألفاظ الأجنبية الدخيلة إلى لغتنا كنوع من الدلع أو إظهار الثقافة، وهذا يمثل أشد المحاولات خطراً لطمس هويتنا وانحلالها في الثقافة المستوردة، ونلاحظ أيضاً انتشار المسميات اللاتينية على اللافتات في الشوارع والمحال التجارية وهناك من يكتب المصطلح الانكليزي بالعربية، وهناك بعض عناوين برامج التلفاز إضافة لأسلوب بعض المذيعين وتطعيم حديثهم ببعض المفردات الأجنبية، ومن مظاهر التغريب أيضاً ما نلاحظه من دبلجة بعض المسلسلات باللهجة السورية بدل الفصحى وحجة هؤلاء أنها أقرب إلى جمهور العامة وأنها تضيق المسافة بين المتكلم والمستمع، وهذا كما أكدت فاعور غير صحيح والدليل أن العامة تقرأ القرآن الكريم أو تستمع إليه وتفهمه وتتابع نشرات الأخبار الفصيحة وتصغي إلى الأغنيات القديمة، وختمت فاعور مداخلتها بالحديث عن بعض الجوانب المضيئة في واقعنا ومن أهمها تزعم سورية للبلاد العربية في تعليم العلوم والطب باللغة العربية.
جلال نديم صالح