تحقيقاتصحيفة البعث

خارطة بيئية وشهادات جودة موسم التفاح في السويداء يبحث عن دعم لمستلزمات إنتاجه وأسواق تستثمر جودته

قد يكون من المثير للاستغراب الحديث عن تسويق مادة التفاح هذه الفترة، ولكن ما يحصل كل عام يجعل من الضروري البدء بوضع إجراءات ملموسة تستقبل الموسم بشكل مريح بعيداً عن الخطط الارتجالية، والإجراءات الإسعافية، واليوم بدأت العمليات الزراعية لموسم التفاح في السويداء أولى مراحلها وهي التقليم، وإن كان سبقها التسميد والحراثة نهاية الموسم الماضي، حيث لا يمكن فصل تلك العمليات بين موسم وآخر، وهي مستمرة رغم الخسائر التي تصيب الفلاح كل موسم، سواء من المعاومة كما حدث في الموسم الماضي، أو البرد في الموسم الذي سبقه، أو سوء التسويق، وكلها مشاكل مازالت تبحث عن حلول فعلية تعطي الفلاح مساحات أمان لتعبه وجهده، وبالمحصلة لمصدر رزقه الوحيد في كثير من الحالات، فهل هناك خطط حقيقية لإدراج محصول التفاح ضمن خطط الدعم الحقيقي، ونقصد هنا دعم مستلزمات الإنتاج، وعمليات التصدير، وهل هناك رؤية جادة وحقيقية لفتح أسواق تصدير تستثمر جودة المنتج المقدم، أم سيبقى الحديث هو ذاته كل عام؟!.

مواصفات فريدة
تتصدر زراعة التفاح المرتبة الأولى من بين زراعة الأشجار المثمرة في محافظة السويداء، وتبلغ المساحات المزروعة بأشجار التفاح في السويداء 15719 هكتاراً، وعدد الأشجار الكلي 306 ر3 ملايين شجرة، يشكّل المثمر 586ر2 مليون شجرة، وتتوزع في مناطق: ظهر الجبل، وعرمان، وسالة، ومفعلة، وقنوات، ومياماس، والكفر، ونمرة شهبا، وتفاح السويداء يتمتع بمواصفات فريدة من حيث الطعم، ولون الثمار، وقابليتها للتخزين لفترات أطول، والإنتاج ينحصر في صنفين: الكولدن، والستاركن، إلا أن خيبات الأمل تستقبل الفلاح كل موسم، كما يقول فضل الله الدعيبس، رئيس جمعية مفعلة الفلاحية، جراء العوامل الجوية تارة، أو عدم وجود أسواق لتصريف المنتج، وهذا يشكّل هاجساً مقلقاً للفلاحين لوقوعهم تحت رحمة الوسطاء والتجار والسماسرة، بالإضافة إلى ما ألقته الأزمة والظروف التي يمر بها الوطن من صعوبات في إيجاد أسواق خارجية لتصدير المنتج نتيجة الحصار الاقتصادي الجائر الذي تتعرّض له سورية.
وفي هذا الإطار كشف رئيس غرفة زراعة السويداء حاتم أبو راس عن تصدير 3212 طناً من تفاح السويداء إلى الأسواق المصرية والسودانية خلال الموسم الحالي، بالرغم من المنافسة الخارجية الشديدة من قبل التفاح الأوروبي، والتركي، واللبناني.
وأوضح أبو راس أن عمليات التصدير تتم عن طريق البحر نتيجة ارتفاع الرسوم التي يفرضها الأردن على دخول وخروج الشاحنات السورية التي تمر عبر أراضيه، ومن بينها التي تنقل تفاح السويداء إلى كل من مصر والسودان.
وأكد أبو راس استمرار الغرفة بمنح شهادات منشأ لتصدير كميات إضافية من التفاح للأسواق الخارجية خلال الفترة القادمة، داعياً هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات إلى استمرار تقديم الدعم للمصدرين خارج الفترة التي تبدأ من الأول من أيلول وحتى نهاية كانون الأول، بحيث يتم تمديد فترة الدعم حتى نهاية شهر أيار، باعتبار أن معظم الكميات المصدرة من تفاح السويداء يتم تصديرها خلال الأشهر الخمسة الأولى من كل عام، وبالتالي لا تستفيد من عملية الدعم البالغة نحو 1600 دولار عن كل حاوية يتم تصديرها، حيث بلغ عدد الحاويات التي تم تصدير الكميات المذكورة من التفاح فيها نحو 146 حاوية، وأشار إلى أن كميات التفاح المصدرة خلال الموسم الماضي بلغت نحو 16 ألف طن، وجرى تصدير معظمها باتجاه الأسواق المصرية، مع كميات محدودة باتجاه الأسواق العراقية والأردنية.
وحول التصنيع الزراعي، والإجراءات المتخذة في هذا المجال، تحدث أبو راس عن أهمية تجربة دبس التفاح الذي يعد منتجاً جديداً طبيعياً بشكل كامل، حيث لا تضاف إليه أية مواد أخرى غير عصير التفاح الطبيعي، مشيراً إلى أن تجربة تصنيع دبس التفاح كان هدفها إيجاد سوق لتصريف كامل المنتج غير قابل للتسويق بسبب تعرّضه للضرر، وبالتالي زيادة دخل المزارعين من خلال هذه الصناعة البديلة، ‌‏حيث تم التواصل مع مهندسين زراعيين وكيميائيين مختصين لإجراء التجربة بتصنيع دبس التفاح في عام 2010، وتم عرض دبس التفاح في معرض دمشق السوري الدولي، حيث لاقى المنتج إعجاب الناس، وبدأ الطلب عليه، وتابع أبو راس بأن غرفة الزراعة طالبت بترخيص المنتج، فكان القرار رقم 110 تاريخ 30/7/2019 بترخيص دبس التفاح للبيع والتصدير.
تبادل الأدوار
تبادل الأدوار بين الظروف الطبيعية والبشرية جعلت مزارعي التفاح يصابون بخيبة أمل في كل موسم، وتسجيل مئات الملايين من الليرات تحت بند خسائر فادحة، لتأتي ظاهرة المعاومة لتزيد مأساة الفلاح، وهذه الظاهرة تعني أن الأشجار تحمل محصولاً وفيراً في عام، وتحمل محصولاً قليلاً جداً، أو لا تحمل في العام الذي يليه، وهذا ما يسمى المعاومة، أو تبادل الحمل، حسب نقيب المهندسين في السويداء أيهم حامد الذي عزا أسباب انخفاض الإنتاج عن الموسم الماضي إلى ظروف بيئية تتمثّل بإجهادات الأشجار في السنوات الماضية نتيجة قلة الهطولات المطرية، ووجود ظاهرة المعاومة.
ويشير رئيس مجلس فرع نقابة المهندسين الزراعيين بالسويداء أحمد حاتم إلى أن التفاح يعد المحصول الاستراتيجي الأول بالمحافظة، ولذلك لابد من نشر الوعي لدى المزارعين، وزيادة معارف الفنيين الزراعيين لتفادي المشاكل التي تصيب شجرة التفاح، وأهمها المعاومة التي تتسبب بانخفاض الإنتاج، وبشكل خاص للأصناف البيضاء من التفاح.
وأشار حاتم إلى أسباب ظاهرة المعاومة الفيزيولوجية المتعلقة بالصنف المزروع، وكذلك الظروف البيئية والمناخية من درجات حرارة، وهطول مطري، ونقص تغذية الأشجار، والتقليم الخاطىء، وأكد ضرورة تطبيق مجموعة طرق للحد من المعاومة عبر تقديم الخدمات الزراعية بمواعيدها المناسبة، وإضافة الأسمدة بالشكل الصحيح بناء على نتائج تحليل التربة، وعدم المغالاة باستعمال السماد الآزوتي، واتباع عمليات التقليم الفني الصحيح، وإجراء الحراثات الخريفية بأوقاتها للاستفادة من كميات الأمطار، والتطعيم على أصناف زراعية تتميز بانتظام الحمل، ومكافحة الآفات الزراعية، خاصة البياض الدقيقي، والأكاروسات.
تخمة تسويقية
يبقى السؤال: هل حقاً تقف وزارة الزراعة مكتوفة الأيدي أمام هذه الحالة، أم لديها إجراءات يتم العمل عليها، يقول المهندس وجدي أبو رسلان، مدير مكتب التفاحيات في وزارة الزراعة: إن استراتيجية وزارة الزراعة قصيرة المدى هي إجراء سبر كامل لأشجار التفاح، ومكان زراعتها، ومعرفة المشاكل الفنية والزراعية التي تواجهها، وهي تلامس الصفر في محافظة السويداء، باستثناء بعض الحالات الخاصة التي تعود إلى تقصير المزارع في بعض العمليات الزراعية.
أما الاستراتيجية الأهم التي تعمل عليها الوزارة، حسب أبو رسلان، فهي إنتاج ما يمكن تسويقه، وليس تسويق ما يمكن إنتاجه، وهذا يتطلب وضع خطط مستقبلية، خاصة في ظل وجود فائض في الإنتاج يصل لنحو ٤٧٥ ألف طن على مستوى القطر، وهذا يسبب تخمة تسويقية لابد من وضع حلول لها.
وبيّن مدير مكتب التفاحيات أنه رغم جودة تفاح السويداء، إلا أن الأسواق الخارجية تتعامل بشهادات الجودة بعيداً عن الشكل والمذاق، وهنا تم العمل على الترخيص لشركتي منح شهادات الجودة للمنتج الزراعي، وبالتالي هي خطوة لشق الطريق لأسواق جديدة، ويبقى المهم هو رفع سوية المنتج للحصول على تلك الشهادات، وهذا يتطلب إرشاد المزارعين بشكل أوسع بالأنظمة الزراعية.
ومن الحلول التي قدمها أبو أرسلان في ظل ارتفاع أسعار المنتج تخفيض تكاليف الإنتاج، ودعم المصدرين، وإحداث معامل للعصائر تعطي لنواتج الفرز قيمة مضافة، وتعوض خسائر المزارعين، وكذلك لابد من دعم الصناعات الزراعية كمشاريع صغيرة ومتوسطة، والأهم هو إحداث خارطة بيئية للتفاح لزراعتها في المكان المناسب، وكذلك اختيار الصنف المناسب.

إجراءات ملموسة
اليوم، وفي ظل الحديث عن دور العملية الزراعية في دعم الناتج المحلي، لابد من استثمار كل غصن من أغصان الشجرة، وكل ذرة تراب، ولكن لابد من ترجمة هذه الأقوال إلى أفعال تنعكس واقعاً ملموساً على العملية الزراعية بشكل عام، وعلى محصول التفاح بشكل خاص، وقد يشكّل دعم المزارعين ومستلزمات الإنتاج والمصدرين الخطوة الأهم في ذلك.
رفعت الديك