أخبارصحيفة البعث

الحرب على سورية عندما تفاوض الحكمةُ الحماقةَ

 

د. مهدي دخل الله
ملاحظة: الحماقة هنا ليست من الشتائم، ولكنها قصور عقلي أعيا من يداويه..
هذا نقاش متخيّل بين بوتين وأردوغان في لقائهما الطويل في موسكو حول إدلب السورية قبل أيام. هو متخيل، لكنه ليس خيالياً، بالعكس تماماً قد يكون في جوهره صورة حقيقية لما جرى، وإن كانت الكلمات والتعابير ليست منقولة..
وإذا تحدّثنا عن لغة الجسد، وما يُظهر على الوجه من كيمياء الداخل النفسي لكل من الشخصيتين، فيمكن تصور أردوغان عابساً ومنهكاً ومهزوماً، وبوتين مشمئزاً ومركّزاً على عيني هذا الزائر بحثاً عما يدور في عقله من حماقات.
كلنا نتذكّر كيف استقبل بوتين الرئيس الأسد في سوتشي أمام الدرج الخارجي، أما أردوغان فقد كان عليه الانتظار مع وفده في بهو ضيّق حتى يأذن له بوتين بالدخول بعد أن قام الموظفون الروس بتفتيش حقائب الأتراك اليدوية.. «من يهن .. يسهل الهوان عليه»…
أردوغان: كان على هذا اللقاء أن يتم في أنقرة عاصمتي (ملاحظة: لا يقول عاصمة بلادي وإنما عاصمتي)، وكان عليه أن يكون متعدد الأطراف يحضره الأوروبيون..
بوتين: لا شك في أن أنقرة جميلة، لكن ألا تعجبك موسكو؟ أما بخصوص الأوروبيين، فأي دخل لهم بهذه المشكلة التي تخص سورية وحدها، ومن تفوّضه سورية للتفاوض باسمها، وقبل أن نبدأ أؤكد لك أنني لن أتخذ أي قرار إلا إذا كانت سورية موافقة عليه.. وفي البداية لا بد من تحديد الإطار المنطقي والقانوني الدولي وألّا نخرج عن هذا الإطار. النقطة الأساسية أنه في إدلب جيش شرعي سوري على أرض سورية يتعامل مع إرهابيين، وجيش تركي دخل عنوة إلى أرض ليست أرضه، حيث يوجد مرتزقة إرهابيون يقاتلون لقاء دعم مالي وعسكري وسياسي من دول أخرى..
أردوغان معترضاً: ليسوا كلهم إرهابيين، بالنسبة لقرار مجلس الأمن (النصرة) وحدها إرهابية..
بوتين: هذا ليس دقيقاً القرار (2170) يقول داعش والقاعدة (النصرة)، وكل الفئات التي تدعمها، ولنكن صريحين، إذا كان لديك إرهابي ومسلح آخر يقاتل إلى جانب الإرهابي وداعماً له، فأين الحدود هنا بين الإرهابي وغيره، ألا يقول المنطق: إن كل من يقاتل مع الإرهابي إرهابي؟؟.. وإن أردت الحديث عن القانون الدولي، فما رأيك بجيش غريب (هو جيشك) داخل أراضي بلد ذي سيادة دون إذن، وهو يقوم بدعم الإرهابيين بقوة، أليس هذا إرهاب دولة داعماً لإرهاب المرتزقة؟..
أردوغان: دعنا من التحليل القانوني، ولنبدأ بالحديث عن أمور محددة..
بوتين: أليس أمراً محدداً أن نعترف بحقيقة أن سورية دولة ذات سيادة مسؤولة وحدها عن أرضها وشعبها؟؟..
أردوغان: يبدو أنه علينا الاعتراف بوحدة أراضي الدولة السورية وسيادتها، لكن …
بوتين: لا يوجد لكن.. فلنبدأ بسماع عرضك حول الأوضاع..
أردوغان: أنا أعلنت أمام الرأي العام عشرات المرات، ويومياً، بأن على الجيش السوري العودة إلى خطوط ما قبل الأحداث الأخيرة. أرجوك سيادة الرئيس أن تساعدني في ذلك، فأنا محرج، ولا أريد أن أبدو كاذباً أمام شعبي..
بوتين: وهل تعتقد أن الرئيس الأسد سيرضى بذلك؟ هل أنت تقبل بالشيء نفسه لو أن أحداثاً شبيهة جرت على أرض تركية؟؟..
أردوغان: معك حق.. ولكنها السياسة كما تعرف.. يجب أن نعترف أن السياسة أحياناً لا تتطابق مع المنطق..
بوتين: وهذه هي المشكلة.. أنك في سياستك تبتعد كثيراً عن أدنى متطلبات المنطق..
أردوغان: حسناً.. لعلك سيادة الرئيس تستطيع إقناع الأسد بتحريك جيشه، ولو لأمتار قليلة إلى الخلف حتى لا أبدو محرجاً…
بوتين: تحدّثت مع الأسد حول إمكانية إنقاذك من ورطتك، ولو بتنازل بسيط، فأجابني أن هذا مستحيل كل الاستحالة… ومعه حق (قال بوتين في سره، وهو يتفحص أردوغان كم أنت أحمق)..
أردوغان: لنحاول شيئاً آخر.. أرجوك اخترع أي شيء لتنقذني..
بوتين: لن يرضى الأسد بأقل من فتح طريق حلب اللاذقية، وحلب ودمشق، والحفاظ على مكتسبات جيشه وعلى أرضه، وهذا حقه…
أردوغان: ولكن هناك عدداً كبيراً من جنودي قتلوا في هذه المجابهة مع السوريين..
بوتين: (يداك أوكتا وفوك نفخ).. ولا تنسى أن هدفنا المشترك مع سورية تحرير آخر شبر من الأرض السورية والقضاء على الإرهاب. لا يمكننا أن نعيش هنا في روسيا بسلام، وهناك إرهاب في سورية…
انتهى الاجتماع بين الحكمة والحماقة بغلبة الحكمة… وهذا أمر طبيعي!..
mahdidakhlala@gmail.com