تحقيقاتصحيفة البعث

لتلافي نقاط الضعف.. تطوير القوانين الإدارية ضرورة تتطلب التخلي عن اعتناق أفكار إدارة التقليد ومراجعة أساليب العمل

باعتبارنا الآن في مرحلة المخاض لولادة مجموعة من القوانين الإدارية غير المسبوقة كقوانين كشف الذمة المالية، والخدمة العامة، والتنظيم المؤسساتي، وغيرها من القوانين التي يتم العمل عليها، فما هو الواجب توخيه لتلافي حدوث الثغرات في الجسم الإداري، والحد من ظاهرة الترهل الإداري التي تؤدي لحدوث حالات الفساد، وتنعكس على ضعف القطاع الاقتصادي؟.

سوء إدارة الموارد
الدكتور سليمان سليمان، أستاذ ومحاضر في القانون الاقتصادي الدولي وعلوم الإدارة أوضح أننا نعاني من سوء إدارة الموارد الاقتصادية، والبشرية، وهذا ناجم في الجزء الأعظم منه عن الترهل الإداري المتلازم، مع عدم ديمومة البرامج الإصلاحية، والتنمية المستدامة للإدارات العامة، والسبب الرئيسي في ذلك يعود لعدم تفعيل وتطبيق السياسات الإدارية بدقة، وعدم متابعة تطويرها، إضافة لمفرزات الأزمة، الأمر الذي يؤثر سلباً على تنفيذ جميع خطط التنمية الاقتصادية والبشرية الأخرى، ومع الأسف فإننا مازلنا نعتنق فكرة إدارة التقليد والتفاخر، فنجد الأبنية، والسيارات، والمكاتب الفخمة للمديرين، رغم سوء الوضع الاقتصادي الذي نمر به، دون أية مراجعة لأساليب العمل والإدارة بما يتماشى مع صعوبة الوضع الاقتصادي، كما أننا بحاجة لتغيير الاتجاهات والقيم والبيئة التنظيمية، وجعلها أكثر تناسباً مع التطور الإداري، والتحديات الاقتصادية، بما يحقق تقديم الخدمات للمواطن، مع تقليص التكاليف والجهد والزمن، وتحويل الإدارات الخدمية من أسلوب البيروقراطية إلى أسلوب الذكاء المعرفي والتكنولوجي، سواء عن طريق التشغيل الذاتي أو التخصصي لخدماتها، وتابع سليمان: إن الوزير على سبيل المثال هو الرئيس الإداري الأعلى في وزارته، إلا أنه لا يمتلك فريق عمله الخاص عند قدومه إلى الوزارة، بل هو محكوم بالتعاون مع فريق عمل مكوّن من مكتبه، ومعاونين كانوا يعملون مع الوزير السابق، ما يفقده إمكانية امتلاكه قوة تغير حقيقية وسريعة للعقلية السائدة في هذا الطاقم، وهو في الوقت نفسه مسؤول عن كامل عمل وزارته أمام مجلس الشعب، لذا لابد من إعادة هيكلة العمل الإداري في الوزارة، وتغيير أساليب عملها انطلاقاً من هذه المسؤولية، وأكد الدكتور سليمان أن خطة عمل وزارة التنمية الإدارية لم تترجم على أرض الواقع بالشكل المطلوب، من جهة أخرى يتوجب علينا أيضاً الحد من الإسراف في وضع القوانين الإدارية، واللوائح التنظيمية، وخاصة المؤقتة منها التي تربك العمل الإداري، وتجنب كثرة تفاصيلها، واستثناءاتها، وتقنين جميع القرارات، والأعراف الإدارية لتحقيق الاستقرار القانوني، حيث مازال أغلب رجالات القانون يجدون صعوبة في دراسة القوانين، والقرارات الإدارية بسبب كثرتها، وكثرة التعديلات التي طرأت عليها، ولابد من تفعيل الحكومة الالكترونية، والابتعاد عن الارتجال، أو إعادة التجريب في المسائل الإدارية كون ذلك يزيد من إضاعة الوقت، وضرورة التخطيط الجيد قبل تنفيذ الأفكار الجديدة، وتعزيز المشاركة مع كافة المستويات الإدارية بعيداً عن ظاهرة (تضخم الأنا) بما يسرّع النشاطات الإدارية ويزيد نجاحها.

أجهزة متخصصة ومديرون مختصون
عبد الرحمن تيشوري، خبير استشاري إداري، دعا لتسريع الخطوات في تطبيق كل مواد قانون الإصلاح الإداري رقم 28 لعام 2018 لمحاصرة الفساد الإداري، مؤكداً على أن الرواتب مازالت ضعيفة وتعد من مبررات ومشجعات الترهل الإداري، كما دعا لضرورة تفعيل دور نواب ومعاوني القادة الإداريين، والمستشارين، واجتثاث ظاهرة أن المستشار لا يشار، والنائب لا ينوب، وضرورة تتويج انتصارنا على الإرهاب بانتصارنا على الفساد الإداري، وتقوية دور الإعلام في الرقابة على الإدارات، والجهات العامة، وتعزيز الشفافية، والعلنية في عمل كل المؤسسات العامة من خلال نشر كل شيء يتعلق بنشاطاتها دون تجميل أو كتمان مهما كانت تعاني من صعوبات ومشاكل تعيق عملها، والابتعاد عن المجاملات في تعيين ذوي المناصب الإدارية لما تتسبب به من حجم كبير من الفساد، وإعفاء وزارة التنمية الإدارية من ضغط النفقات، والعمل على جمع القواعد القانونية المعنية بمكافحة الفساد ضمن قانون واحد يسهل تطبيقه والرجوع إليه، وتنمية الوعي لدى كافة المواطنين للتعاون مع السلطات المختصة للإبلاغ والكشف عن التجاوزات الإدارية بشكل يساعد في سرعة المعالجة، مع تأمين الحماية للشهود والعاملين في مجال مكافحة الفساد الإداري، وتعزيز التعاون بين الجهات المختصة والمنظمات الدولية لاسترداد الأموال المختلسة من الجهات العامة في حال تم تهريبها إلى خارج القطر، ورسم السياسات الكفيلة بمعالجة مشكلة البطالة وخفض معدلاتها، واستثمار خريجي المعهد الوطني للإدارة، والتركيز على أن إحساس المواطنين بجدية الحكومة في مكافحة الفساد الإداري ينتقل بهم من السلبية إلى مؤازرة الحكومة في إجراءاتها بمكافحة الفساد، ويحقق الردع الخاص لدى ضعاف النفوس، وطالما أن خطط الإصلاح الإداري لا يمكن أن تنفذ كلها في وقت قصير أياً كانت الخطط دقيقة فيجب أن يُشرح للمواطنين من خلال وسائل الإعلام أن طريق هذا الإصلاح ليس قصيراً، وأن الإجراءات ليست سحرية، وأضاف تيشوري: يجب وضع نظام محاسبة تكاليف خاص بكل جهة عامة يحدد إيراداتها ونفقاتها، كما يجب إسناد وظيفة المدير وفق معايير موضوعية محددة، والابتعاد عن العشوائية، والتركيز على التخصص والجدارة، وإقرار مشروع المراتب والمسالك الوظيفية للعاملين في الدولة إلى جانب نظام الدرجات، ووضع خارطة موارد بشرية، في رأسها خريجو المعاهد المتخصصة في الإدارة /INA- HIBA – HIAD /.

الوظيفة المناسبة قبل شاغلها
الدكتور عصام حيدر، عميد معهد التنمية الإدارية، كانت له وجهة نظر أكاديمية وعلمية أجابت عن تساؤلاتنا التي لم نتمكن من الحصول على إجاباتها من وزارة التنمية الإدارية بسبب الانشغال بمجموعة من الورشات التدريبية المكثفة، حيث أكد أن مشكلة سوء الإدارة من المشكلات الملموسة في القطاعات الخدمية التي تتسم بالإنتاجية المنخفضة، ويظهر جلياً تذمر المتعاملين مع تلك القطاعات بشكل يظهر مدى غياب الإدارة الفعالة والصحيحة، ما يؤدي لانعكاس ذلك على تطور البلاد، فلا يوجد بلد متخلف وبلد متقدم، وإنما توجد إدارة ناجحة وإدارة فاشلة، وتابع حيدر: إن الحل يكمن في الاعتماد على اختصاصيي الإدارة ضمن مفاصل الإدارة الوسطى والعليا بدلاً من تحييدهم، وإبقائهم في المستوى الإداري الأدنى للتمكن من وضع استراتيجيات العمل، والتخطيط بشكل صحيح، فكما نلاحظ أن معظم الإدارات تعتمد على المهندسين بشكل كبير، ومن جهة أخرى فإن قانون الإصلاح الإداري لم يتم التسويق لتطبيقه من قبل وزارة التنمية الإدارية بالشكل الصحيح المطلوب، ومازالت الهوة كبيرة لتقبّل تطبيقه ضمن كافة الجهات والقطاعات، وفيما يتعلق بمشكلات عدم السماح للنواب والمستشارين بأداء أدوارهم بالشكل الأمثل، فقد أوضح حيدر أن الحل يكمن بالتحديد الدقيق لصلاحياتهم من خلال وجود إدارة فعالة للموارد البشرية، وإنشاء بطاقات توصيف وظيفي لكل المسميات الوظيفية تلغي الازدواجية، أو مصادرة السلطات الممنوحة، وتحديد المهام بدقة، وحول موضوع عدم وجود نيابة إدارية لدينا أجاب حيدر بأنه من الخطأ تعميم الهيكل الواحد على كل الإدارات، فعدم وجود هذه النيابة لدينا، ووجودها في بلد آخر لا يشكّل خللاً أو نقصاً، وعلينا دراسة الهياكل التنظيمية في جهاتنا العامة، والتقييم بعد ذلك، وتقرير إيجاد الوظيفة المناسبة قبل اختيار الشخص المناسب لها، فحتى لو كان الشخص مناسباً فهذا لايعني نجاح إدارته إذا كان المكان الذي يشغله بالأساس غير لازم لسير المنظمة، وحول مسألة تقنين الأعراف الإدارية، وتلافي مشكلات تناقض وكثرة التشريعات الإدارية، فقد أوضح حيدر بأنه يتوجب علينا دراسة ثقافة الجهة أو المنظمة، وسلوك العاملين فيها، فإذا كانت هذه التوجهات والقواعد السلوكية صحيحة وتتكرر بصورة دائمة فإنه يتوجب علينا تقنينها، كما أنه يتوجب علينا عدم الإسراف في سن القوانين أو اللوائح دون مبرر أو بلا فائدة مرجوة منها، ويجب دراسة أثر ونتائج تطبيق كل قانون على أرض الواقع، وفيما إذا شكّل قيمة مضافة أم لا، أما في حال عدم تشكيله لها فيجب إلغاؤه، فالتغيير بالنهاية لا يجب أن يكون لغرض التغيير، وإنما يجب أن يكون انتقالاً نحو الأفضل، وإلا فهو مضيعة للوقت، وركز حيدر على أهمية وجود أجهزة للرقابة والقياس للعمل الإداري تعمل على التقييم بغرض التوجيه وتلافي الأخطاء وتفعيل المحاسبة، وليس بغرض اصطياد العثرات والأخطاء، وأكد حيدر أن هناك تقصيراً واضحاً في الاستفادة من خريجي معهد التنمية الإدارية، والمعهد الوطني للعلوم الإدارية دون وجود إحصائيات دقيقة حول الموضوع، وفيما يتعلق بقوانين مكافحة الفساد أكد حيدر على ضرورة وضع لوائح وأنظمة تأديبية خاصة بكل منظمة، بحيث تتيح محاسبة كل مقصر وفقاً للطبيعة الخاصة لعمله، لأن منطق الإدارة الصحيحة يقتضي مراعاة خصوصية العمليات الخاصة بكل جهة، كما أن غياب التوجيه دائماً يتسبب في تأخر المحاسبة، وكشف التجاوزات والأخطاء بعد فوات الأوان، ودعا حيدر إلى التبسيط، فالقولبة، والهيكلة، والقوانين الجديدة، والنماذج المستوردة ليست دائماً هي الحل لمشكلات الإدارة، ولابد من الاعتماد على التخطيط والتنظيم لآليات العمل لضمان أفضل النتائج على أرض الواقع.

بشار محي الدين المحمد