دراساتصحيفة البعث

الحرب البيولوجية.. كورونا أنموذجاً

ريا خوري

تلجأ الدول وبعض المنظمات الإرهابية إلى الحرب البيولوجية والتي يُطلَق عليها (الحرب الجرثومية) أو(البكتيرية) من أجل تطويع الدول والحكومات لسياسات الأقوى. والحرب البيولوجية استمرت من قديم الزمان حتى القرن العشرين، واستخدمها البريطانيون والأمريكان في العديد من بلدان جنوب شرق آسيا من أجل إبادة المنتجات الزراعية والغابات التي تلجأ إليها القوات المحاربة ضدهم . والمعروف أن الحرب البيولوجية تتوزع على مجموعات عدة مؤلفة من السموم الجرثومية والنباتية والحيوانية وناقلات العدوى، كالحيوانات المعضلية والكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والفطريات والفايروسات.. إلخ .
ونتيجة لخطورتها الكبيرة تمّ اعتبارها من الأسلحة الكيماوية ومن ضمن أسلحة الدمار الشامل. فقد وقَّعت العديد من الدول وصلت إلى تسع وعشرين دولة من الدول الكبرى اتفاقية جنيف عام 1925 التي تحظر اللجوء إلى الأسلحة البكتريولوجية في الحروب، إضافةً إلى الغازات السامة المحرَّمة دولياً. وأقرَّت تسعٌ وعشرون دولة هذه الاتفاقية إلا الولايات المتحدة الأمريكية التي رفضتها بشدَّة ولم تنضم إليها، كذلك الكيان الصهيوني رفض الانضمام إلى الاتفاقية. كما تمّ اتخاذ قرار من قِبَل الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الأوَّل من العام 1966 يقضي بضرورة اعتماد هذا البروتوكول والالتزام به. لقد بذلت بريطانيا جهوداً كبيرة لنزع السلاح البيولوجي في ستينيات القرن الماضي، كما دعم الاتحاد السوفييتي السابق تلك الجهود بشكلٍ واسع. الجدير بالذكر أنَّ الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون أعلن استنكار الولايات المتحدة الأمريكية لاستخدام الأسلحة البكتريولوجية في العام 1969 وأمر بتدمير وإتلاف مخزون الولايات المتحدة منها. وعلى الرغم من كل الجهود فإنَّ خطر استخدام الأسلحة البكتريولوجية وإنتاج الفيروسات ما زال مستمراً. فقبل ظهور فايروس كورونا انتشر العديد منها في العالم مثل أنفلونزا الطيور والخنازير والبقر وإيبولا ومرض السيدا (الإيدز). وقبلها بعشرات السنين حصد الطاعون والكوليرا آلاف المخلوقات من البشر والحيوانات. وإذا تابعنا ردود الفعل السياسية لانتشار فايروس كورونا لوجدنا أنَّ مسؤولاً إيطالياً رفيع المستوى هو (أنريكو روسّي) رئيس مقاطعة توسكانا (وسط) في إيطاليا قد صرَّح علانية بأنَّ فايروس كورونا لعبة سياسية تجري باستغلال الفايروس لإسقاط الحكومة الإيطالية، وكان زعيم (حزب الرابطة) ماتيو سالفيني قد وظَّف انتشار الفايروس المستجد في المضاربة وإثارة الرعب العام. وتحدَّثت معظم وسائل الإعلام العالمية عن محاولته المتجدّدة النزول إلى الساحة، حيث طلب مقابلة رئيس الجمهورية (سيرجيو ماتاريلا) لتشكيل حكومة وحدة وطنية، كما تبادلت الولايات المتحدة والصين الضربات التي واجهت الصحفيين والمؤسسات الإخبارية، بما يفضي إلى حرب إعلامية بين الطرفين. فقد قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إنَّ وسائل الإعلام الصينية أصبحت أكثر عدوانية ضد الولايات المتحدة، وسحبت واشنطن بعثتها الدبلوماسية من مدينة ووهان الصينية بؤرة فايروس كورونا، وقامت على الفور بحظر دخول الصينيين إليها هذا من جهة، ومن جهة ثانية وصف حسين أمير عبد اللهيان مستشار رئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية ظهور وتفشي فايروس كورونا بأنه حرب (بكتريولوجية) تشنّها أمريكا ضد دولٍ تعتبرها أعداء مثل روسيا والصين وإيران.
منذ أن تمّ الكشف عن فايروس كورونا في الصين وصلت الإصابات في العالم إلى أكثر من ثمانين ألف حالة في نحو خمسين دولة، ومات بهذا الفايروس الجديد نحو 2800 شخص في الصين وحدها، واحتلت جمهورية إيران الإسلامية المرتبة الثانية بوفاة 54 شخصاً وإصابة أكثر من 978 حسب وزارة الصحة الإيرانية، تلتها إيطاليا.
مما لا شكَّ فيه أنَّ الدول التي تهتمّ ببنيتها التحتية على أسس متينة علمية، وتهتمّ بالنظافة والبيئة والمؤسسات الصحية والعلاجية تكون أقوى وأقدر على التفاعل والتعامل مع الأزمات والجائحات من الدول التي لا تهتمّ بمصالح شعبها ودولتها، وتمارس التخلف والجهالة التي لم تخلق وسائل تأمين الضروريات لشعوبها، وانشغل زعماؤها بسرقة وكنز الأموال والذهب على حساب شعوبها. هذه الدول نجدها عارية تماماً عند أوَّل مشكلة تعترضها مثل مشكلة انتشار فايروس كورونا. ونحن نعلم تمام العلم والمعرفة أنَّ الفايروسات ليست وحدها ما يهدِّد أمان وأمن البشر، بل هناك أزمة مناخ كبيرة، فقد اتسعت دائرة ثقب الأوزون، وازدادت حرارة الكرة الأرضية، وانقلبت معايير المناخ حتى باتت الثلوج تهطل في الصحراء، وازدياد رقعة الأراضي المتصحرة، وأزمة الغذاء والماء، غير متناسين خطر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والجرثومية، وكذلك تأثير نتائج اختبارات القنابل النووية وما تنفثه المعامل والمصانع الضخمة جداً من غازات الفحم والكربون لصناعاتها، مع الازدياد المطرد للمختبرات التي تعجُّ بالتجارب الخطيرة على الأسلحة المحرَّمة دولياً التي تستهدف حياة البشر بالدرجة الأولى وحياة المخلوقات الثانية. لقد شعرت الشعوب المقهورة أنَّ مبدأ التعاون بين الدول قد يتلاشى نهائياً، والمكان الذي يمكن أن يجمع البشر تحت سقفه يضيق شيئاً فشيئاً!.