رأيصحيفة البعث

حفلة من الجنون

 

لا يمكن وصف ما يحدث اليوم في المنطقة والعالم، سواء في طبيعة تعامل البعض الانتهازي مع الفيروس الطبيعي، “كورونا”، أو في طريقة تجاوب بعض الفيروسات السياسية الحاكمة مع التحديات السياسية في منطقتها والعالم، إلّا بحفلة من الجنون الجماعي، يبدو من الضروري والملحّ متابعتها وقراءتها، في إطارها الأوسع كي يمكن تفسيرها، وفهمها، بداية، لإيجاد المضاد السياسي، والميداني، المناسب لها نهاية.
فكما كان متوقعاً جاء تنفيذ السلطان العثماني للشق المتعلّق به من “اتفاق موسكو” على إيقاع المثال القائل: “أول الرقص حنجلة”، وكان من الواضح للجميع أن التمثيلية التي شهدتها أول دورية مشتركة على طريق حلب اللاذقية أول أمس – على الرغم من “العباءة المدنية” التي أُلبست لبعض الممثلين – من إخراجه وإنتاجه الحصريين،  خاصة وأن القاصي والداني يعرفان أنه وقّع “الاتفاق” مُجبراً، كما يعرف، القاصي والداني، أنه، وهو يوقّع كان يبحث – من ناحية أولى – عن مهلة زمنية لالتقاط أنفاسه وإعادة تسليح ولملمة شتات إرهابييه المتفرقين تحت ضربات الجيش السوري، ويضمر – من ناحية ثانية – الإخلال به عند أول فرصة سانحة.
والحال فإن الواقع والوقائع المتتالية يظهران معاً، أن الرجل، وعلى غرار أغلبية قادة العالم الحالي، قد أصيب بفيروس سياسي ناجم عن امتلاكه وعياً مزيّفاً بالواقع والتاريخ، أولى عوارضه لدى البعض الاعتقاد أن الأسلوب الأمثل للحكم لا يكون إلّا “من خلال الفوضى” وممارسة “القرصنة” و”البلطجة” بمعناهما “الشوارعي” المعروف، كما يفعل “ترامب” عالمياً، فيما تظهر عوارضه عند البعض الآخر على صورة أوهام استعادة تاريخ مضى لتطبيقه في ظل واقع جيوسياسي مختلف كلياً، متجاهلين الحقيقة القائلة: إن “التاريخ حين يعيد نفسه يكون في المرة الأولى مأساة وفي الثانية ملهاة”، ومثالهم الأوضح “أردوغان”، وهناك البعض الثالث وهم “الحكام من دون رؤية”، بحسب وصف محمد حسنين هيكل لبعض الحكام العرب، والنتيجة حفلة من الجنون كالتي نتابعها الآن.
وهكذا، يصبح من المفهوم، من جهة أولى، أن يعرقل أردوغان “اتفاق موسكو” كما عرقل سابقاً “اتفاق سوتشي” ذي المضمون ذاته، فيما تبدو الفرصة الجديدة التي منحته إياها روسيا لتطبيق الاتفاق، وخاصة بالمفردات اللافتة لبيان وزارة الدفاع الروسية، إدانة سياسية كاملة للرجل، وتلميح واضح إلى محورية “أبو بلال التركي” – بما يعنيه هذا الاسم – في عالم الإرهاب والإرهابيين، كما يصبح مفهوماً، من جهة أخرى، أن نرى “ترامب” – الذي حاول بداية استغلال ” كورونا” واستخدامه كفيروس سياسي ضد الصين وإيران – يسعى اليوم “للبلطجة” على ألمانيا سعياً للحصول على علمائها الذين يطوّرون لقاحاً طبياً لـ”كورونا” واحتكاره حصرياً له كي يستخدمه، دون وازع إنساني وأخلاقي، “عصا وجزرة” في حربه المفتوحة على العالم، ويصبح مفهوماً، من جهة ثالثة، أن يقود “الحكام من دون رؤية” حرباً نفطية لن يكون لها، في المآل الأخير، ووفق الوقائع والحقائق المعروفة للجميع، إلّا أن ترتد عليهم دماراً جديداً وخسارة أخرى لثروات شعوب المنطقة التي يديرونها، إدارة فقط، لصالح واشنطن بموجب اتفاق “كوينسي” الشهير بين “روزفلت – عبد العزيز”، وتلك قصة تحتاج إلى مجال آخر للشرح والاستفاضة.
خلاصة القول: تلك هي صورة عالم اليوم، “ترامب” يفككه عبر الفوضى و”البلطجة”، و”أردوغان” يفكك بلاده والمنطقة لمحاولة تركيبهما وفق أطماعه المعروفة، و”الحكام دون رؤية” يفككون بلادهم في سبيل كراسيهم المذهّبة، متجاهلين شعوبهم ومطالبها ومصالحها الحقيقية.
إنها حفلة جنون فعلية، وهي “مفهومة” في هذا المفصل التاريخي بين نظامين مختلفين لإدارة العالم، لكن إعادة التركيب لن تكون إلا بأيدي القوى الحية في المنطقة والعالم، ويبدو أن أول ضحاياها سيكون أوهام “السلطان” التي ستتبعثر، حكماً، على طريق حلب – اللاذقية.
أحمد حسن