ثقافةصحيفة البعث

الرسول الذي يقف على كتفه أجيال

 

 

“أيها المعلم، سنكون خيوطاً في يديك وعلى نولك فلتنسجنا ثوباً إن أردت، فسنكون قطعة في ثوب العلى المتعالي” بهذه الكلمات وصف جبران خليل جبران المعلم صاحب الرسالة المقدسة، وبناة الأجيال الحقيقيون، فهو يبني الإنسان، وركيزة المجتمع وأساس تقدمها، وتقديراً لجهوده وكونه الشمعة التي تحترق لُتنير للأجيال دروب المعرفة والعلم، نحتفل اليوم بهذا الإنسان العظيم الذي أفنى عمره من أجل بناء مستقبل أجيال كثيرة، وقال فيه الإمام الغزالي: “التربية والتعليم أفضل وأشرف وأنبل مهنة بعد النبوة”.

فقدان التعليم
بدأت مهنة التعليم بفقدان مكانتها في أنحاء العالم، ويلفت اليوم العالمي للمعلمين الانتباه إلى الحاجة لرفع مكانة مهنة التعليم ليس لأجل المعلمين والتلاميذ فحسب، ولكن من أجل المجتمع والمستقبل ككل بما يمثل إقراراً بالدور الذي يضطلع به المعلمون في بناء المستقبل.
وبالتأكيد هناك حقوق للمعلم على المتعلم تنفيذها ومنها إطاعة الطالب لمعلمه وعدم تحقيره، واحترام الطالب لمعلمه وعدم إنكار فضله وتطبيق توجيهاته ونصائحه، واعتباره قدوة يحتذى بها، والالتزام بالسلوك الصحيح أثناء الدوام المدرسي وخارجه وإتمام الواجبات التي يطلبها المعلم بكل دقة وإتقان، وهي حقوق منطقية، إلا أن مايحدث في أيامنا هذه يناقض كثيراً ماجاء، حيث تقول إحدى المعلمات: أنا فقدت الإحساس بكل شيء جميل في هذه المهنة، وأهم صعوبة تواجهنا مع هذا الجيل هو إفراط الأهل في دلال الأولاد إلى درجة كبيرة، بالإضافة إلى أن أغلب الأولاد يعتمدون على الدروس الخصوصية وبالتالي لا يأتون إلى المدرسة لتلقي الدروس وإنما للشغب واللعب والفوضى، وهذا الأمر أحدث عنفاً بين الأولاد وهو أمر خطير جداً. ولم تعد إحدى المعلمات تذهب إلى المدرسة بنفس الحماس، أما آنسة الصف الثاني قالت: وضع التعليم سيء جداً بكل المقاييس، وفي كل صف مستوى المنهاج أعلى من مستوى عقل الطلاب، ويتضمن معلومات أكبر بكثير من استيعاب عقلهم لذلك يلجأون إلى الحفظ بصم، والمشكلة الأكبر أن المنهاج يحتاج إلى وسائل تعليمية فهي ضرورية جداً في التعليم تسهل شرح الدرس، ونحن في المدرسة لا نمتلكها، وأنا بدوري كمعلمة أحاول قدر الإمكان صنعها على يدي، ونواجه أيضاً مشكلة في عدم تعاون الأهل مع المعلم وبالأساس لدينا صعوبة في التعامل معهم من كثرة الدلال. وقالت إحدى المعلمات: هناك صعوبات في التعليم بسبب المنهاج السيئ، وعدم وجود قرارات تحمي المعلم، والتدريس الخصوصي الذي ينعكس بشكل سلبي على مستويات الطلاب، والمشاريع المكلفة المطلوبة من الطلاب ونهايتها سلة المهملات، ووقاحة التلاميذ بسبب توجيهات الأهل ضد المعلم، وأخيراً عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

اليد الصانعة
“أثر الفراشة لا يُرى.. أثر الفراشة لا يزول” وللمعلم دور ملحوظ في التأثير على الفرد والمجتمع، إذ تنجم بعض النتائج العظيمة جراء كلمة تحفيزية وجهها المعلم لأحد الطلاب، فمهنته تعتبر منذ أقدم العصور أشرف المهن على الإطلاق التي على مقاعدها يتربى الطبيب والمهندس والعالم والنجار والحداد والكاتب والصحفي والبناء والخباز، كما الآباء والأمهات والأحفاد والجندي والقائد والمسؤول والسائق والطباخ، وكل من حولنا من الناس الذين ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه لولا تلك اليد التي صنعتهم وأحيت فيهم حب العلم والتعليم، وفتحت أمامهم المدارك البعيدة برحابها. وعندما يتم تكريم هذا المعلم العظيم من قبل طلابه يشعر حينها بأن تعبه الذي قدمه لم يضع سدىً بل هو قد أثمر حين أدرك الأطفال أنهم قد كبروا لدرجة أصبحوا يفهمون العالم من حولهم وما يجري، وما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وما كانت نمت بذرة هذا الصغير وكبرت لولا ما قام به هذا المعلم على سنوات من زرعها في تربتها الجافة، يسقيها المعلم عرقه وجهده وتعبه حتى كبرت وصارت شجرة خضراء يانعة تؤتي أكلها وتفيض، وهي فيما بعد ستنمو أغصانها وتمتد حتى تطاول في ذلك السماء.

الرسول
لربما هو لم يعد بحاجة لنسميه رسولاً ودليلاً لأنه أصبح بسمو مكانه رسولاً، يحمل رسالة عظيمة ضمن ما تقتضيه مهنته، رسول علم وتعليم وتربية جيل يكبر ويقف على كتفه مستقبل البلاد، وإن المجد الذي يهيب بالمعلم ليرفع له رايته عالياً، حيث لا حدود لذاك الفضاء، وكما قال الشاعر أحمد شوقي: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولاً.
وقال ليوناردو دافنشي: “من لا يتفوق على معلمه يكن تلميذاً تافهاً”، وقال توماس كاروترس: “المعلم هو الشخص الذي يجعلك لا تحتاج إليه تدريجياً”، وقال ألبير كامو: “كل ما حولي كذب ورياء، أما أنا فأريد أن أجبرهم على العيش بصدق وشرف، وأملك لذلك الوسائل الكافية.. إنهم لا يتمتعون بحيواتهم، وأعلم أن الذي ينقصهم هو المعرفة وينقصهم المعلم الذي يعي ما يتحدث به”.
جُمان بركات