صحيفة البعثكلمة البعث

الانتخابات.. ما لها وما عليها (1)

يبيّن التطور الاجتماعي والسياسي المعاصر أن الانتخابات تمثّل الطريقة الأقدر على تجسيد إرادة الناخبين في مختلف الاستحقاقات الديمقراطية الحزبية والتشريعية والمحلية وغيرها… دون أن يعني أن هذه الانتخابات منظومة خالية من الشوائب والخلل والاعتراضات.
فما دام الأمر يتعلّق بالمجال السياسي والاجتماعي والإنساني عموماً، حيث تتعدد الرؤى والمصالح وتتضارب، فلا يمكن للعملية الانتخابية حتى في أكثر الدول تقدّماً أن تبلغ المنشود منها، أو الكمال، ولنا في كل يوم دليل حيّ في هذه الدول وغيرها على ما يكتنف هذه العملية من أخطاء تجد معالجتها في النظام الانتخابي نفسه الذي يسمح بالاعتراضات والطعون وإعادة النظر، ويذهب البعض إلى حد إلغاء النتائج جزئياً أو كليّاً.
وتظهر النتائج الانتخابية في كثير من الأحيان، وحتى في حال خلوّها من الشوائب، أن نتائجها ليست مرضية بالضرورة، ذلك أن الأمر يتعلق أيضاً، وهنا بيت القصيد، بإرادة الناخبين التي تفرز أحياناً خيارات مفاجئة وصادمة وغير مقبولة للبعض، ما يعني أن هذه النتائج هي إلى حد بعيد مسؤولية الناخبين الذين يفترض نظرياً أنهم يملكون القدرة والوعي على اختيار المرشّح الأجدر والأكثر كفاءة، وأنهم محصّنون ضد اختراقات كل أشكال التأثير والتوجيه المباشر وغير المباشر، ما يفرض احترام هذه النتائج.
في هذا السياق فإننا في سورية وفي حياتنا الحزبية والتشريعية، وفي المنظمات والنقابات نواكب اليوم استحقاقات ديمقراطية قائمة على التشجيع على الترشيح وعلى الانتخاب في آن معاً، وعلى ترقّب نتائج ذلك ضمن رغبات وتوقعات متباينة لا شك عند كل منا.
فلا ضير في الحديث عن هذه النتائج في أي قطاع من القطاعات من منطلق أنها لم تكن سليمة وصحيحة بالمطلق، فهذا أمر طبيعي ووارد.
كما أن توقّع أن تفرز هذه الانتخابات فائزين متميزين وطيبين، وهم الأجدر من غيرهم هو توقّع غير مطابق للواقع، ولما تنشده القواعد أو الكوادر، فهناك عدد من الناخبين أو المتابعين أو المهتمين قد يرى أن الانتخابات أفرزت خيارات غير مقبولة بالنسبة إليهم.
وفي كل الأحوال، فرأي هذه القواعد أو الكوادر هو رأي الأكثرية، والأكثرية معيار مهم في معايير الفوز، ما يتطلب اعتبار تسلسل الأصوات من المعايير الأساسية، وهذا ما يتوجّب معه احترام الانتخابات، وبالمحصّلة فاحترام الانتخابات يفرض احترام ما يخرج عنها.
وفي حال وُجد هناك من يرى تحفّظاً على ذلك، أو رأياً آخر مختلفاً، أو ضرراً في ذلك على الأحزاب والمؤسسات، فإن المسؤولية القادمة لتجاوز الخلل والخطأ – إن حدث – تكون بالعمل الدؤوب والمتواصل على القواعد والكوادر مستقبلاً، وليس على النتائج، لأن هذه القواعد والكوادر هي التي اختارت اليوم وبملء إرادتها وحريتها، وعلى المعنيين من قيادات وغيرهم البحث في الأسباب التي أدّت إلى هذه النتائج التي يبدو بعضها مفاجئاً أو غير متوقّع قبل التسرّع بالحكم على أن هذه الشخصيات الفائزة غير ملائمة لما كنا نرغبه أو نتوقعه، ما يقتضي النظر في المستقبل إلى الظاهرة بشكل مختلف عن اليوم، من خلال الإفادة من التجربة، ومن الخطأ إن حصل، فلا يحصل أو يتكرر مستقبلاً.
أولاً وآخراً، فالانتخاب خيار ديمقراطي ذاتي فردي، أكثر مما هو جمعي وعام، والمنتخِب يختار المرشح الأقرب إلى ذهنيته، فلا توجد قراءة جمعية موحّدة لنتائج الانتخابات حتى لو كانت حزبية، فالكادر غير المؤسسة، والديمقراطية هنا أهمّ من المركزية.
علينا أن ندرك أن الانتخابات، على اختلاف أشكالها ومستوياتها، لا تعدو كونها في المحصلة النهائية إلا عملية تقنية متفق على القبول بها واعتمادها كوسيلة لفرز من هم موضع الثقة للسير بحزب ما أو تنظيم ما أو دولة ما لتحقيق أهداف وبرامج محددة خلال فترة محددة، وأن الانتخابات دورية بطابعها كون هذه الثقة وتجديدها رهناً بقدرة الفائزين على تجسيد هذه الأهداف والبرامج حقائق وإنجازات ميدانية.
وعلينا أن ندرك أيضاً أن الانتخابات ليست الديموقراطيـة في كامل تحققها، بل وقد تتكشف عن نتائج على غاية من السلبية، بل وكارثية أحياناً، فصناديق الاقتراع هي التي أوصلت رجلاً مثل هتلر إلى السلطة، وهي التي جعلت مهرجاً شعبوياً على شاكلة ترامب رئيساً للدولة الأقوى في العالم، وهي التي تبقي متلاعباً فاسداً مطلوباً للقضاء مثل نتنياهو في مقعد رئاسة الحكومة، لأنها عاجزة عن إيجاد بديل له في ثلاثة اقتراعات متتالية خلال سنة واحدة.
يبقى القول إن الديموقراطية أحياناً لعبة لها قواعدها المتعارف عليها، والقبول بقواعد اللعبة هو شرط للدخول فيها، وإن علينا، بالتالي، احترام نتائج الانتخابات أياً كانت، وتقبّل كل ما يمكن أن يخرج عنها، نزولاً عند رغبة الأكثرية واحتراماً لخياراتها، دون التشكيك أو العودة عن المبدأ إطلاقاً، فالديمقراطية عملية طويلة وممتدة في الزمن، ولا يمكن الحكم على نضجها من جولة واحدة، كما أن للانتخابات ثقافتها المتميزة وتجربتها الخاصة.
د. عبد اللطيف عمران