الصفحة الاولىصحيفة البعث

أزمة أوروبا بدأت الآن

 

 

يمكن القول إن الأزمة الجديدة التي تعترض أوروبا اليوم بسبب وباء كورونا، قضت على معاهدة شنغن، لأن عدم مواجهته بشكل جذريّ ستكون لها عواقب أكبر بكثير مما يشير إليه مؤشر داو جونز.
هذه هي بداية بلقنة سياسية حقيقية ستصيب الاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة، لأنه لم يتمّ القضاء على العداوات والأحكام السابقة القديمة في أعقاب التشريعات القمعية من قبل مجموعة من التكنوقراط المنفصلين في بروكسل، فعندما تكون هناك تهديدات وجودية، لا يتوفر الوقت ولا الرغبة في الفضيلة لإدراك أننا جميعاً أسرة سعيدة مختلة وظيفياً.
لعقود من الزمن، رفضت ألمانيا تخفيف ميزانيتها معتقدةً أنها لا تحتاج إلى المساعدات المالية من دول مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان إذا لم ترغب هي بذلك. وفي الوقت نفسه، حوّلت ألمانيا هذه القواعد إلى نظام العملة الموحدة اليورو، وهذا هو الثمن الذي فرضته على باقي أوروبا.
واليوم تواجه ألمانيا التهديد الوجودي لفيروس كورونا المستورد إلى أوروبا بشكل رئيسي من قبل عمال النسيج القادمين من “ووهان” والذين يعملون في متاجر الجلود في ميلانو.
ولمواجهة هذا الخطر، أطلق وزير المالية الألماني كل قوة صندوق الثروة السيادية الألمانية لتقديم دعم غير محدود للشركات الألمانية التي تواجه صعوبات بسبب هذا الفيروس.
في المقلب الآخر، اضطرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد إلى فرض التغييرات السياسية اللازمة لفك الارتباط مع ألمانيا. وهي تعرف أن الطريقة الوحيدة التي تمكّن الاتحاد الأوروبي من النجاة من الأزمة المتنامية في سوق الديون السيادية غير العاملة هي طباعة الأموال بغزارة أو السماح بحلّ الاتحاد الأوربي، ولكن لا يوجد باب ثانٍ في أوروبا، جميع الأبواب تؤدي إلى بروكسل.
عارضت ألمانيا الأمر، في الوقت الذي فرضت فيه ميركل اتفاقية شنغن بلا رحمة، فأضعفت المركز السياسي الألماني وأشعلت ذكرى ألمانيا التي دمّرت أوروبا عسكرياً في القرن العشرين من خلال فرض التقشف وتدمير الاقتصادات الأقل كفاءة في منطقة اليورو.
لذلك، في منتصف هذه الفوضى يأتي وباء كورونا والاستجابة غير المنسقة والضعيفة للمركز السياسي لأوروبا حتى الآن، وبعد بضعة أسابيع من تفشي الوباء في أوروبا، ومصرع المئات من الإيطاليين المصابين، توصل الساسة الأوربيون إلى استنتاج مفاده أنه يجب عليهم تقييد السفر، لتكون مؤشراً على بداية الأزمة الحقيقية، لأنه إذا كان من الممكن أن يكون فيروس كورونا هو المحفز لانهيار الأسواق المالية، فإن الايطاليين ينتظرون حدوث هذه الشرارة.
ولكن بما أن هذا الفيروس هو الشكل النهائي للصدمة الخارجية للاقتصاد العالمي، فليس من الممكن احتواء العدوى المالية. ولهذا السبب شهدت الأسهم الأمريكية تباطؤاً حاداً وارتفاعاً حاداً في الين الياباني واليورو في بداية هذه الأزمة.
يبدو الاقتصاد العالمي مشلولاً، والأزمة برزت في أوروبا لتغذي خدمة الدين المتزايدة الدوران التي تشبه البنك الدولي الذي يعمل بالسيولة بالدولار. ولكي ينجو الاتحاد الأوربي من هذه الأزمة، لابد من إجراء إصلاح جذري لليورو والبنك المركزي الأوروبي.
ومع ذلك أتوقع أن يستمر تعليق اتفاقية شنغن، وأن تتبع الدول الأخرى مسار خروج البريطانيين من الاتحاد الأوروبي. عندما ألغى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي تتزعمه ميركل، التصويت على قيادتها للحزب في 22 نيسان القادم بسبب هذه الأزمة، أبعد بذلك أي احتمال بأن تخسر زعامة حزبها قبل أن تبدأ ألمانيا رئاستها للاتحاد الأوربي.
بكل الأحوال، أياً كانت خطتها، عليها أن تفعل ذلك بسرعة لأن رأسمالها السياسي نفد تقريباً، بعدما انتهت من عملية بيع ألمانيا للاتحاد الأوربي والتي أطلقها هلموت كول!.
هيفاء علي