دراساتصحيفة البعث

أجندة سياسية تزدهر على واجهة إنسانية

 

ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع ستراتيجك كالتشر

للتدخل الأجنبي، الذي تشيد به القوى الإمبريالية على أنه ضرورة “لتحقيق الديمقراطية” جانب واحد، وهو ما يُسمّى بالأضرار الجانبية التي يتمّ التلاعب بها. إذ أدى غزو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على النحو الذي قرّره البيت الأبيض بعد “الحرب على الإرهاب”, إلى ظهور ظاهرة دائمة للاجئين والمهجرين قسراً الذين يسعون إلى بصيص أمل في أوروبا. كما ينخرط الاتحاد الأوروبي الذي يمجّد الدبلوماسية وبناء السلام المزعومين في انتهاكات حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بحقوق اللاجئين، ولاسيما الفارين من معسكرات التعذيب في ليبيا.
وبالفعل خلقت صفقات عبور البحر الأبيض المتوسط ​​نشاطاً تجارياً مزدهراً للمهربين في ليبيا، وفي وقت سابق من هذا الشهر، دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “فيليبو غراندي” الاتحاد الأوروبي لمساعدة اليونان مالياً، إذ أعلنت تركيا أنها ستفتح حدودها للاجئين للتحرك نحو أوروبا. وصرح غراندي قائلاً: “بدلاً من المشاحنات، يتوجّب على الدول أن تنظر في الأسباب الجذرية لهذا”.
هل يشير غراندي إلى الديناميات المؤسسيّة، التي يسيطر عليها قادة العالم والتي حدّدت ظاهرة الهجرة الحالية؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يحوّل غراندي التركيز إلى الأمم المتحدة والتوافق شبه العالمي الذي صنعته لتسهيل تدمير البلدان المستقلة بذريعة الديمقراطية؟ علاوة على ذلك، هل يريد غراندي حقاً التمحيص في الأسباب الجذرية التي خلقت مسارات مستمرة للاجئين؟.
ما يتوقعه غراندي هو المزيد من التواطؤ بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في الحفاظ على سياسات المساعدات الإنسانية. وبالعودة لعام 2011 بعد تدمير الناتو لـ ليبيا بتفويض من الأمم المتحدة، أثنى بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك على ما سُمّي بـ”الربيع العربي”. وفي حالة من الفشل في التفريق بين المطالب المشروعة للشعب بالتغيير وعدوان التدخل الأجنبي بتفويض من الأمم المتحدة، اعتبر “بان” أن “الربيع العربي” أحدث “تغييرات جذرية وملهمة في كثير من الأحيان”. وفي ذلك الوقت، أصبح التهجير القسري بالفعل مشكلة واسعة النطاق، ولكن الأمم المتحدة كانت أكثر اهتماماً بخرافة “بناء الديمقراطية” من تقدير الخسائر البشرية والآثار الإنسانية المترتبة على حروبها المجيدة التي شنّتها على المدنيين.
بعد مرور سنوات فقط، إذ لم يعد الربيع العربي جزءاً من الخطاب السياسي السائد، ركزت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي اهتمامهما على اللاجئين ومراقبة الحدود. تمّ الفصل بين التدخل الأجنبي والمدنيين المهجرين قسراً بشكل كامل من حيث التنافر السياسي، وبالتالي كان لكلا الكيانين الحرية في مناقشة الهجرة دون اعتبار أنفسهم مسؤولين عن خسارة الوطن والأرواح.
منذ ذلك الحين ارتبطت الهجرة بالتخطيط المالي، وتقاسم الأعباء، وإعادة المهجريين قسراً والتطبيقات العملية التي فاقمت انتهاكات حقوق الإنسان، ما جعل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي متواطئين في التعذيب وموت واختفاء اللاجئين. لقد تغلبت حماية الحدود على تحقيق الديمقراطية. والواقع أن الشعار الأخير أصبح الآن زائداً عن الحاجة ومرجعاً تفضّل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عدم التذكير به، حيث يدخلان في مرحلة تعاونية جديدة يتمّ فيها القضاء على أرواح بشرية لحماية المشروع الإنساني المزعوم وحدود قلعة أوروبا. يُطلق على اليونان الآن اسم “درع أوروبا”، وهو درع يمنع اللاجئين الضعفاء من الدول التي دمّرها التدخل الأجنبي بحجة تحقيق الديمقراطية في الدول العربية من الوصول إلى أوروبا.
السببان الجذريان الحاليان اللذين يشير إليها غراندي، هما الربيع العربي وتواطؤ الحكومات الغربية، بصفتهما الفردية أو كجزء من الإجماع الدولي. وهذا بدوره يتطلّب من الأمم المتحدة أن تتأمل في إنجازاتها الدموية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعاونها مع الناتو. في الواقع، لم تيسّر المؤسسات الدولية حماية حقوق الإنسان بل أوجدت مداً لا نهائياً من الضحايا الذين يدعمون عن غير قصد أجندة سياسية تزدهر على واجهة إنسانية لتعزيز الحرب الدائمة.