ثقافةصحيفة البعث

وزن زائد

 

ندى محمود القيم

 

على طريق المطار، بدأت ذاكرته القريبة بالتمدد بعد وجبة دسمة بين أهله وناسه، هي التي لم تشبع منذ سنوات. وزن زائد اكتسبه خلال الفترة التي قضاها مع أن الميزان الالكتروني لم يظهر أي فرق، إلا أن دواخله كلها كانت متخمة من كثر ما تناول وجبات عالية السعرات العاطفية، وشرب من مياه طيبة لا تشبه تلك التي يشتريها في علب بلاستيكية عديمة الطعم.

تأكد من وزن حقائبه وبطاقة السفر مع الجواز قبل أن يأخذ لنفسه دورا بين عشرات الوجوه التي تتجه إلى وجهات مختلفة كل ما يجمعها هو هذا الطابور قبل أن تتفرق إلى أجواء وأقاليم أخرى.

قبل عدة أيام سمع عن انتشار وباء أصفر وتحذيرات من التجمعات والأماكن المزدحمة والإكثار من التعقيم وارتداء الكمامات تلافيا لأي عدوى ممكنة قد تنتقل عن طريق اللمس أو العطس، لكنه لم يعر للموضوع انتباها حينها فهو مؤمن بأن كل شيء له قدره، إلا أن الوقوف بين هذه الحشود البشرية التي تتدافع متعبة ضجرة في انتظار أن تختم جوازها وتنطلق إلى عوالمها المختلفة جعله يرتاب قليلا ويشك في سلامتهم وصحتهم، خصوصا أن العديد منهم كانوا يسعلون أو يعطسون أو يرتدون الكمامات، وواحد منهم كاد يقع من شدة إعيائه.

أخرج من جيبه منديلا ووضعه على فمه حتى غطّى أنفه تقريبا، وبينما كان يقترب دوره، لاحظ أن هناك إجراءات قبل الختم للتأكد من صحة المسافرين.

حين اقترب يحمل جوازه ناداه الموظف “يا أخ يجب أن نتأكد من خلوك من الفايروس المنتشر اقترب من فضلك”. وكأنه دعاه بهذه الكلمات لامتحان تقرير مصير أو محاكمة علنية. أيعقل أن تكون النتيجة إيجابية ويتم الحجر عليه، لا.. لا من غير الممكن أن تتأجل رحلته ويخسر عمله المنتظر يوم وصوله. من غير الممكن أيضا أن يخسر حياته مثلا بعدوى وضيعة من فايروس وضيع وأن يموت بسببه، هو الذي أمضى خمس سنوات في أخطر بلد من حيث التصنيف العالمي، وثلاث سنوات إضافية في بلد نسبة التلوث فيه لا يمكن قياسها أو التفكير بها حتى. أيعقل أن يكون مصابا حقا. قاطع تفكيره صوت الجهاز معلنا أن لا حرارة عالية لديه، وبعد إتمام الإجراءات الأخرى تمت تبرئته من تهمة الإصابة، وسمح له بالعبور من الحاجز باتجاه البوابة. “مع السلامة” قال الموظف.

شعر أن ما سمعه ليست عبارة روتينية عاديه مثل مرحبا أو صباح الخير. إنها مبعث الطمأنينة والارتياح بأن ليس هناك حجر صحي ولا منع سفر ولا إرجاع إلى بلد المنشأ أي أرض الوطن. إنها السلامة بعينها وفي أبهى أشكالها. السلامة التي تعني البراءة والظفر بحرية السفر على الأقل. لقد أصبح لها قيمة في قلوب المسافرين وكل المنتظرين على أبواب الحدود وفي غرف الحجر الصحي الذين لن يهتموا للوزن الزائد في الحقائب بعد اليوم، المهم أن لا يكون هناك حرارة زائدة أو سعال أو أي تهمة صحية أو “سياسية” بطبيعة الحال.