أخبارصحيفة البعث

ما بعد كورونا.. الاتحاد الأوربي مهدّد بالتفكّك

البعث – وكالات:

لأسابيع طويلة نظر الأوربيون إلى جائحة “كورونا” باعتبارها شيئاً لا يمكن أن يحدث في الأراضي الأوروبية، ولكن بعد الانتشار الواسع والكثيف للفيروس الجديد في مختلف دول القارة العجوز تسود تكهنات بأن الاتحاد الأوروبي سيكون على موعد مع أزمة تهدد بقاءه، ولا سيما بعد أن كشف هذا الفيروس وهم الأهداف التي أنشئ لأجلها هذا الاتحاد، فهل يخرج الاتحاد من نفق “كورونا” كياناً واحداً، أم يخرج من النفق ممزقاً، وتشتكي كل دولة من دوله من “خذلان الأحبة” من باقي دول الاتحاد؟!.

ناشدت إيطاليا الاتحاد الأوروبي بإعطائها إمدادات طبية لمواجهة الجائحة التي تهدد وجودها، لكن الرد الأوروبي تعامل مع إيطاليا كأنها دولة هامشية، الأمر الذي دفع ماتيو سالفيني، أبرز يميني متطرّف في إيطالي، يعقّب: “عندما يكون الآخرون في شدة فعلى إيطاليا أن تدفع، أما إذا وقعت إيطاليا في شدة فإنهم يغلقون حدودهم ومحافظ أموالهم”، فيما أكد الخبير الاستراتيجي إيغور بشينتشنيكوف، وهو باحث في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، بدوره، أن تفشي الوباء أجبر أعضاء الاتحاد الأوروبي على خلع أقنعتهم وإظهار حقيقتهم للعالم أجمع، وبذلك أثبتوا أنه لا يوجد ما يسمّى التضامن الأوروبي، وأن كل عضو مسؤول عن نفسه فقط، وحذّر من أن هناك بعض المخاطر ستؤثّر بشدة في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي لن يعيده إلى شكله السابق مجدّداً، أو يؤدي إلى تفككه للأبد.

ويؤكّد مراقبون أنه حين تنحسر موجة الهلع من “كورونا” سوف تظهر الانقسامات التي تنخر كيان الاتحاد الأوروبي، ومن أبرزها: ضعف قدرة أوروبا على تحقيق تنسيق مشترك عبر حدود مختلفة، مضيفين: أزمات عدة أحدثت تصدعات في الاتحاد الأوروبي مُنذرة بقرب انهياره. أول الأحداث الضخمة كان خلال فترة الأزمة المالية العالمية عام 2008، ثم بعدها تدفق المهجّرين على الدول الأوروبي، فمنذ اللحظات الأولى انكشف اختلاف قادة أوروبا في التعامل مع تلك الأزمة. ولم يقتصر الأمر على مجرد الاختلاف بل امتد إلى قيام وزراء داخلية دول الاتحاد بطرح تجميد اتفاقية “شينغن”، المكسب التاريخي للاتحاد، لمدة عامين كإجراء مؤقّت لعدم قدرة الدول على إدارة الأزمة، واليوم حالة التصرف منفرداً تكرّرت في الأزمة الراهنة، حين بدأت الدول تباعاً في إغلاق حدودها.

وفي هذا السياق، يؤكد مركز كلوب فالداي الروسي “في الوقت الراهن تشهد أوروبا ظروفاً صادمة أجبرتها على إغلاق جميع حدودها، وذلك دليل على الأنانية الوطنية”.

كذلك أظهر “كورونا” وجهاً آخر للدول التي تنادي دائماً بالوحدة الأوروبية والتكافل الأوروبي، وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا، فخلال شهر شباط، اجتمع وزراء صحة دول الاتحاد مرتين في بروكسل، وأعلنوا عن رغبتهم في تنسيق مشترك، ولكن فرنسا وألمانيا قرّرتا منع تصدير الكمامات الطبية للخارج، ووضع قيود صارمة على بيعها خارج الأراضي الوطنية، كما قررت رومانيا فرض حظر شديد الصرامة على تصدير المعدات الطبية وأدوات الوقاية، ثم أعلنت المجر أن 120 ألف كمامة تمّ تعطيل وصولهم لها واحتجازهم في ميناء هامبورج.

ويشير خبراء إلى أنه في عالم ما بعد “كورونا” قد لا يوجد اتحاد أوروبي، وقد لا توجد أيضاً قوة عظمى واحدة. حالة الفردية التي تتصرّف بها الدول حالياً تخبر كل دولة أنه وقت الشدّة لن توجد قوة عظمى تمد لها يد العون، سواء كان ذلك الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يؤكّد داليبور روهاك، الباحث المقيم في معهد أمريكان انتربرايز انستتيوت للدراسات، أن الاتحاد الأوروبي يواجه خطر الدمار والتفكّك بفعل انتشار الفيروس، مشيراً إلى أن القادة الأوروبيين سيكونون حمقى إذا اعتقدوا أن الجائحة الحالية مختلفة لأنها أزمة صحة عامة وليست أزمة سياسية أو مالية، مبيناً أن الجائحة الحالية خلقت صدمة اقتصادية واسعة النطاق قد تتجاوز بسهولة الأزمة المالية لعام 2008، وذلك بخلاف الخسائر في الأرواح والصحة العامة.

روهاك أكد أن استجابة الاتحاد الأوروبي للتعامل مع كورونا كانت ضعيفة بطريقة مثيرة للشفقة، في الوقت الذي ستتدهور فيه الأعمال المربحة، إلا إذا كان هناك التزام واضح من السلطات العامة لإرساء استقرار الاقتصاد، لافتاً إلى أن كريستين لاغارد رئيس البنك المركزي الأوروبي تسيء قراءة سياسة اللحظة الراهنة حيث أن تصريحها الأسبوع الماضي ينم عن عدم المسؤولية حين أعلنت أنه لا توجد إشارات مادية على وجود متاعب في أسواق المال أو نقص في السيولة وأن أي رد سياسي على التطوّرات ينبغي أن يكون مالياً في المقام الأول ثم قومياً، وأشار إلى أن التكلفة البشرية الحقيقية للجائحة المصحوبة بالقلق الشعبي وإحساس بأن المؤسسات الأوروبية لا تساعد قد تزيد من الرغبة في الخروج من الاتحاد، لافتاً إلى أن أهم الدروس التي يمكن تعلمها من الكساد الكبير هو أنه عندما تفشل القيادة الدولية يحل محلها السلوك التخريبي غير التعاوني للحكومات الوطنية.