تحقيقاتصحيفة البعث

الايجابية في “منع التجول”

ساهمت الإجراءات الاحترازية الوقائية المتخذة لمواجهة وباء كورونا بتغيير الكثير من العادات السلبية التي لم تنفع لمعالجتها أي إجراءات أو قرارات على مدار السنوات الماضية، كما أنها استطاعت أن تخلق نمطا عائليا معيشيا يختلف في تفاصيله ووقائعه عن يوميات الناس السابقة، والأمثلة كثيرة منها ما يتعلق بالتدخين “الأركيلة” والوجبات السريعة والعودة إلى المطبخ المنزلي واتباع أساليب الترشيد في كل شيء، إضافة إلى الاهتمام بالصحة العامة والنظافة والمشاركة في التوعية والتوجيه والإرشاد المجتمعي وغيرها من القضايا التي كانت ومازالت تشكل عبئا ومسؤولية كبيرة على عاتق الكثير من الجهات والمجتمع.
وبنظرة تفاؤلية لقرار منع التجول الذي تم اتخاذه، يمكن أن نرى الكثير من الإيجابيات على صعيد الصحة الوقائية وغيرها، أو على مستوى الحياة العائلية التي من الممكن أن يرمم القرار الكثير من علاقاتها المتوترة، وأن “يعيد المياه إلى مجاريها ” – كما يقال – في حياة آلاف العائلات. وعلى سبيل المثال، هناك حالة موجودة في غالبية البيوت التي تعيش في غربة حقيقية وتعاني من تراكم مزمن للخلافات في الحياة الزوجية التي غالبا ما تكون ضحية الخيارات الإجبارية ومحكومة بالعادات الاجتماعية التي تستمر في لعب دورها البشع داخل الأسرة، إلى جانب احتمالات الخيارات الخاطئة التي تبرر وتشرعن ما يسمى حالة اللجوء إلى “الطلاق الصامت” المستتر تحت غطاء العيب الاجتماعي والخوف على السمعة ومصير الأولاد، وهو يمثل زوال مقومات العلاقة العاطفية وانحسارها في حدود البرستيج الاجتماعي .
وتكمن خطورة هذه الحالة الاجتماعية في انعكاساتها على شخصية الأسرة التي تعيش دائما في تناقضات حضورها المجتمعي كأسرة هادئة ومثالية متمسكة بالمؤسسة الزوجية وبين كونها في حقيقتها أسرة مضطربة غير مستقرة وتعيش حالة من التشتت المدعم بمظاهر النفاق الاجتماعي الذي يجعل أفرادها يدورون في حلقات مفرغة من الانفصام وانعدام الثقة بالنفس والعزلة الاجتماعية .
ولعل الأمر الملفت للانتباه هو انتشار هذه الظاهرة بشكل مخيف في المجتمع السوري هذه الأيام تحت مبررات مختلفة، منها التداخل الاجتماعي الحاصل نتيجة حالة النزوح الجماعي التي تصنف في خانة الانزياح الديموغرافي، والذي أتاح فرصة الاختلاط والتعارف المتسارع بين بيئات مختلفة بطريقة خاطئة وغير متوازنة بحيث نتج عنها تغيير في بينة الأسرة والتخلي في الكثير من الأحيان عن الرباط الأسري، والزوجي تحديدا، في سبيل علاقة عابرة غير محكومة بضوابط اجتماعية أو قانونية، وتؤثر بشكل مباشر على تماسك المجتمع الأسري. ويضاف إلى ذلك الضغوط المعيشية التي استفزت الحياة الأسرية بأعبائها المتزايدة وأخرجتها من حالتها الطبيعية ودفعت بها نحو القطيعة والبحث عن مكان أخر وشريك يتقبل الواقع كما هو، أو يمتلك القدرة على انتشال الشريك الجديد من الهموم والمنغصات الحياتية .
ولاشك أن كثرة الشواهد والحالات التي تعزز حضور الطلاق الصامت قي حياة الأسرة السورية، وانتشار الظواهر العديدة التي تهدد البنية الاجتماعية، وتعزز من فرضية الانهيار الأسري، وخروج منظومة القيم التربوية عن سكة الأخلاق.. يعطي القرارات المتخذة سمة الايجابية والتفاؤل في رأب الصدع الأسري والعودة إلى حضن العائلة الواحدة المتعاونة وترميم الفجوة الأسرية وإصلاح علاقاتها التي باتت قاب قوسن أو أدنى من الضياع .
وفي المقابل، لا يمكن تجاهل سلبيات هذا القرار أو غيره في حال عدم توفر المستلزمات وتوفير الاحتياجات اليومية للمواطن، وفي مقدمتها ضبط الأسواق ولجم الأسعار وتامين الكهرباء على مدار الساعة. وبمعنى أخر على الجهات المعنية أن توفر مقومات (خليك بالبيت) لتحقيق النتائج المأمولة من الإجراءات المصنفة في خانة الاحترازية، ولاشك أن تحقيق تقدم في المسارات الوقائية يتطلب تكثيف الجهود وتوحيدها بين مختلف مكونات المجتمع، وللإعلام دور كبير في نشر الوعي والمساهمة في تقريب وتوحيد الجهود وحشد الجميع على جبهة مكافحة كورونا والحد من انتشاره.
بشير فرزان