تحقيقاتصحيفة البعث

سوق المفروشات .. أسعار مرتفعة وجودة غائبة وبحث عن اليد العاملة الخبيرة

لم يعد شراء مسكن يشكل الهاجس الأساسي للشباب المقبلين على الزواج اليوم، خاصة بعد أن أصبح تأمين هذا المسكن ضربا من ضروب الخيال، ليبقى الطموح محصورا بشراء الأثاث البسيط الذي بات هو الآخر من المعجزات التي تقف عائقا في وجه شبابنا بعد أن فاقت أسعار غرف النوم المليون ليرة للنوعية الجيدة، إذ شهد قطاع المفروشات والأثاث المنزلي قفزات خيالية خلال السنوات الأخيرة لأسباب عديدة أهمها ارتفاع المواد الأولية الداخلة في صناعة الموبيليا كونها أصبحت مستوردة، وفقدان اليد العاملة الماهرة بعد أن تم استقطابها من قبل دول لاقت في هذه اليد الخبيرة كنزا للارتقاء بصناعة أثاث لطالما سعت للوصول إليه من حيث النوعية والجودة والحرفية.

جمود الصناعة

وعلى الرغم من عودة الأمن إلى المناطق التي تشكل تجمعا لهذه الورش، إلّا أن أسعار الموبيليا استمرت في الصعود دون خضوعها لضوابط ومراقبة، إذ يؤكد المشهد العام لصالات عرض أثاثات المنزل وجود أرقام خيالية للمفروشات لم تخضع لأدنى رقابة من الجهات المسؤولة، ليصبح شراء غرفة نوم ذات جودة متوسطة يتطلب المليون و300 ألف ليرة سورية. ولا يبتعد سعر غرفة الجلوس وغرف الأطفال عن المليون ليرة أيضا. ويجمع أصحاب المهنة على أن هذا القطاع شهد الكثير من الضغوط التي سبقت الأزمة بسنوات، وكان أبرزها دخول البضائع التركية والصينية إلى السوق السورية، والتي تعتبر أرخص سعرا من المصنوعة محليا وذات تصاميم أحدث، ما أصاب صناعتنا المحلية بالجمود لفترة طويلة، إلى أن جاءت الحرب على سورية والتي امتدت إلى معظم المناطق الصناعية التي تصنع فيها المفروشات خاصة في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية ومنطقة الشيخ نجار الصناعية في حلب، ما تسبب بإغلاق المصانع والورشات، وعزوف اليد العاملة وخروجها من سورية للعمل في دول أخرى بعد أن فقدت ورشها.

عبر الانترنت

وفي ظل هذا الغلاء لأسعار المفروشات، تسارع صفحات وسائل التواصل الاجتماعي لاقتحام عقول الشباب للترويج لمفروشات بأسعار زهيدة تناسب الشرائح المتوسطة الدخل وبألوان متميزة لجذب المستهلك إليها عبر تقديم صور لكافة التصاميم التي تقدمها هذه الصالات بغية استقطاب الزبائن الذين يجدون بهذه الصالات ضالتهم لفترة محدودة لا تتجاوز الساعات، إذ يتفاجأ الزبون برداءة أنواع الخشب المستخدم لصناعة هذه الأثاثات، فلا تكاد تصل غرف النوم إلى المنزل حتى تكون قد تكسرت بيد صاحبها، حيث يسعى أصحاب هذه المعارض لتخفيض التكلفة من خلال استخدام كرتون مضغوط شبيه بخشب الـ Mdf، أو الاعتماد الكامل على هذا الخشب في صناعة المفروشات، ونشر الصور البراقة على صفحات التواصل تحت إعلان “افرش منزلك كاملا بجودة عالية بـ 700 ألف”، وذلك لتلبية الطلب في السوق حسب الحالة المعيشية، الأمر الذي تسبب بانخفاض الإقبال على الورش التي تقوم بتفصيل هذه المفروشات وفق نوع الخشب الذي يختاره الشخص وبموافقته.

سوق المستعمل

وخلال سنوات الأزمة انتعش سوق المفروشات المستعملة التي أصبحت ملاذا للكثير من ذوي الدخل المحدود الذين وجدوا فيها ضالتهم من حيث السعر المناسب وجودة الخشب المصنوعة منه تلك الأثاثات، لا سيّما وأنها مصنوعة منذ زمن بخشب ذو جودة عالية، فقد اضطرت الكثير من الأسر للسفر خارج البلد في سنوات الحرب وعرض مفروشات وأثاث منازلهم للبيع عبر هذه المحال التي لم تستمر لفترة طويلة حتى حلت محلها صفحات التواصل، والتي أخذت على عاتقها عرض هذه المفروشات المستعملة كصفحة “سوق دمشق للمستعمل والجديد” و”السوق المركزي للمستعمل والجديد”، وغيرها من الصفحات التي لازالت إلى الآن مختصة بعرض تلك الأثاثات للبيع عبر صفحاتها. ويؤكد فهد الدرداري صاحب أحد صالات المفروشات أن هذه الصفحات أدت إلى شلل لحركة البيع في صالات العرض الأصلية إذ يسارع الناس لشراء المفروشات المستعملة بحثا عن الجودة التي لم تعد موجودة بنفس السعر هذه الأيام، مؤكدا أن سعر فرش المنزل اليوم يضاهي سعر شقة سكنية قبل الأزمة، ويؤكد الدرداري أن سوق المفروشات يشهد حالة من الفوضى اليوم بعيدا عن الرقابة والضبط لتلاعب الكثير من أصحاب الورش بأنواع الخشب المستعمل وتحكمهم بالأسعار حسب مزاجهم.

 

مناطق صناعية

مدير البيت التجاري في اتحاد الحرفيين خالد الفياض ألقى اللوم في ارتفاع سعر الموبيليا على دمار مناطق تجمع الحرفيين المختصين بالمفروشات، إذ أن تجمع الحرفيين المختصين بتصنيع الأثاث كان قبل الأزمة يمتد من باب شرقي باتجاه الغوطة، وقد تضرر أغلب المحلات عدا المتمركزة في الدويلعة وبيت سحم وجرمانا، أما حمورية وسقبا فقد تعرضت للدمار بشكل كامل، إضافة إلى أن عامل الهجرة لليد العاملة، وعزوف الكثيرين عن ممارسة هذه المهنة بسبب قلة الطلب خلال فترة الأزمة، ما أثر سلبا على هذه الحرفة، فقد كان نشاط هذه الورشات قبل الأزمة يغطي 95% من حاجة السوق أما اليوم فلا يتجاوز الـ 45%. وأشار فياض إلى عدد الحرفيين العاملين في النجارة يبلغ 10939 على مستوى سورية، أما في دمشق وريفها 3696 داخل التنظيم الحرفي، ويوجد ضعف هذا العدد من الحرفيين غير منسبين للاتحاد، مبينا أن أسعار المفروشات ارتفعت 150 ضعفا عما كانت عليه قبل الازمة، فسعر متر خشب الجوز قبل الأزمة كان يساوي 40 ألف ليرة، وأصبح اليوم مليونا ومئتي ألف ليرة، أما خشب الزان فكان 23 ألفا وأصبح اليوم500 ألف ليرة، ووصل سعر اكسسوارات غرفة النوم إلى 200 ألف ليرة، ويسعى الاتحاد اليوم للنهوض بواقع الحرفيين كافة وحرفيي هذه المهنة خاصة من خلال السعي لتوفير قروض بدون فوائد لهم وتسعى الحكومة لإحداث مناطق صناعية للحرفيين وإعادة اعمار البنى التحتية للنهوض بواقع عملهم من جديد.

ميس بركات