رأيصحيفة البعث

رأي في الانتخابات الحزبية

توقفت عند افتتاحية صحيفة البعث بتاريخ 13 و26 /3/2020، بقلم الرفيق د. عبد اللطيف عمران رئيس هئية التحرير والمدير العام لدار البعث، وعنوانها “الانتخابات الحزبية: ما لها وما عليها”، فعلى الرغم من تقديري لما جاء في مقالتي د. عمران، وموافقتي على الكثير مما ورد فيهما، إلا أنني رغبت أن أدلي بدلوي في الموضوع إياه، وذلك عملا بمبدأ النقد والنقد الذاتي الذي يعد ركيزة هامة من ركائز النظرية التنظيمية للحزب، وهو مبدأ لم يبتدعه حزبنا، وإنما استوحاه من قيمنا وتراثنا العربي الأصيل.
لن أدخل في مقدمة عن الديمقراطية وأهميتها، وما تعنيه الانتخابات في الأحزاب السياسية كافة، إن كانت تقدمية أو رجعية، شيوعية أو رأسمالية، أو ما بينهما، في العالم المتطور أو في العالم الثالث، وإنما سأتناول الانتخابات الأخيرة التي تمت في حزبنا، وبمستوياتها الثلاثة: الفرق – الشعب – الفروع، هذا الحزب الذي مضى على تأسيسه أكثر من ثلاثة وسبعين عاماً، واستطاع أن يصل إلى السلطة في قطرين عربيين مهمين، هما العراق وسورية، إلا أنه وللأسف انتكست ثورة شباط (رمضان) في القطر العراقي الشقيق بعد أشهر عدة من قيامها سنة ثلاث وستين وتسعمئة وألف. وتم التعارف على هذه النكسة بمصطلح هو “الردة التشرينية”، بينما استمرت ثورة آذار ماضية في طريقها، تصوب مسيرة الحزب، وما اعترضها، وما يحرفها عن بوصلتها. وهذا ليس موضوع مقالتنا اليوم، إنما نعود الى الانتخابات إياها، فكانت تعليمات القيادة المركزية للحزب أن تنتخب المؤتمرات، بدءاً من الفرقة وحتى الفرع، ثلاثة أضعاف العدد المطلوب لكل قيادة من القيادات المتسلسلة، ماعدا فروع الجامعات، إذ تم الاقتصار فيها على انتخاب خمسة عشر عضواً بدلاً من عشرين عضواً في فروع المحافظات. كما جاء في تعليمات القيادة ضرورة أن تتضمن قائمة الرفيق المنتخِب رفيقاً من شريحة الشباب ورفيقة من شريحة الجنس اللطيف، وذلك دعماً لهاتين الشريحتين – إذ لاحظت القيادة افتقار المؤسسات القيادية في الجزب لهاتين الشريحتين – وإلا تعد الورقة الانتخابية لاغية، حالها حال الورقة التي يقل عدد المنتخبين فيها عن العدد المطلوب. وبتقديري أن قيادتنا الحكيمة نحت هذا المنحى لاعتبارات عدة منها: عدم الوعي الكافي للرفاق والرفيقات في الجهاز الحزبي وعدم مراعاتهم لفئة الشباب والنساء من جهة، ومن جهة أخرى كي تبقى القيادة ببحبوحة فيما لو خرج الرفاق في هذا المؤتمر أو ذاك عن البوصلة الحزبية، والتفكير البعثي الأصيل الذي ينبغي ألا يتأثر بأي من الجوانب السلبية التي لا نزال نعيشها في مجتمعنا، وعلى سيبل المثال لا الحصر، المناطقية والعشائرية والطائفية والشللية وغيرها.
وجاء تشكيل قيادات الفرق من قبل قيادات الفروع من ضمن العدد المنتخب، ولم يترك تداعيات تستحق الذكر، كما ترك تشكيل قيادات الفروع الذي سبق تشكيل قيادات الشعب التي قامت قيادات الفروع الجديدة باقتراح تشكيلها ورفعها إلى القيادة المركزية، وهنا ظهر ما ينبغي ألا يظهر من قياداتنا الحزبية العتيدة المنتخبة، والمعينة من القيادة الأعلى في الحزب، وهذا ما رتب على القيادة أن تعيد النظر بقراراها، فاتخذت قراراً يتضمن تجميد قراراتها السابقة، وإعادة النظر فيها، مجددة العمل بالأسس التي تم الإعلان عنها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن ثغرة ما، في قرار القيادة الأول والمتضمن انتخاب ثلاثة أضعاف العدد، وإن ما توفر من معلومات للقيادة الأعلى، بعد سلسلة التعينات التي صدرت عنها، دفعها لأن تتخذ قرارها بالتجميد، وهنا أود قول الآتي:
إن حزبنا جزء من مجتمعنا، شئنا أم أبينا، مع العلم أنه ينبغي على أعضاء الحزب، ولا سيما قياداته المتسلسلة، أن تكون طليعة، ولا يغفر لها ما يغفر لابن المتجمع العادي غير المنتمي إلى حزب مثل حزبنا، الواضح فكره السياسي والاجتماعي والاقتصادي.. إلخ.
1- عدم منطقية الزام القيادة للمنتخِب الحزبي بتضمين قائمة من الشريحة الشبابية والنسائية، وفي ذلك مس بالمبدأ الديمقراطي، فالمنطق يقول: إن على هاتين الشريحتين وفي مجال المؤتمر الذي ينتميان إليه أن يثبتا كفاءتهما ونشاطهما، الأمر الذي يدفع الرفاق لانتخابهم طوعاً لا إلزاماً، وإذا سلمنا أن الرفاق لم يأخذوا بذلك، فبإمكان القيادة أن تأتي بالذي حصل على أعلى الأصوات من الشريحيتن حتى لو كان خارج ثلاثة أضعاف العدد ولها مبرراتها.
2- إن تحديد القيادة لثلاثة أضعاف العدد فيه الكثير من نقاط الضعف، وهذا ما يفسح في المجال للرفاق المؤتمرين أن يضعوا أسماء كيفما اتفق، كي يتموا العدد المطلوب من أجل ألا تلغى ورقتهم الانتخابية.
3- سمعت أن في بعض الفروع أن السبعة الأوائل في شعبة ما جاؤوا من لون واحد، وفي شعبة ثانية من لون أخر أيضاً، وبالتالي فإن أخذت القيادة بتسلسل نجاح الرفاق فهذا يعني أن قيادة مؤسسة ما ستكون من لون واحد!! وهذا يطرح تساؤلاً مهماً، أو يدفع بعض الرفاق للكفر بالعملية الديمقراطية ورفع صوتهم مطالبين بالتعيين بدلاً من الانتخاب.
4- التجربة الديمقراطية ترمم نفسها بنفسها، فهذه القيادة التي جاءت من لون واحد، بتقديري أن الرفاق في مؤتمر الفرقة أو الشعبة أو الفرع سيكتشفون خطأهم، ويقومون بتصويبه لاحقاً، وربما تتم الدعوة، بعد سنة أو أقل، إلى مؤتمر استثنائي وإعادة الانتخاب مجدداً.
5- عندما تلاحظ القيادة خللاً ما، يتنافى ومبادىء الحزب وأخلاقيته، في مجال حزبي معين، بإمكانها أن تدقق في ذلك، وإذا ثبت ارتكاب رفيق أو أكثر مثل هذه المخالفات الجوهرية بحق الحزب يمكنها اتخاذ الإجراء الرادع والشديد، وضمن الأصول التنظيمية التي نص عليها النظام الداخلي، وتعميمه على الجهاز الحزبي ليكون عبرة للمعاقب ولغيره من الرفاق.
6- إن هذه الفترة الطويلة التي مرت على تأسيس حزبنا والتي تجاوزت السبعة عقود، وتسلمه السلطة في قطرنا العربي السوري لنصف قرن ونيف، كفيلة بأن يكون الرفاق قد أصبحوا على درجة من الوعي لأن يوثق بهم، وأن يعبروا عن خياراتهم، وإن كان هناك من نشاز فيكون بسيطاً ولا يستحق الذكر والقياس عليه أمام الخط العام الإيجابي في الحزب، وبذلك نكون حملنا الرفاق المسؤولية كاملة عن خياراتهم، إن كان على مسنوى القيادات الحزبية المتسلسلة، أو في المنظمات الشعبية والنقابات المهنية، وغيرها من المؤسسات التي تم فيها الانتخاب كالإدارة المحلية ومجلس الشعب وغيرها، والنظام الداخلي راعى مثل هذه الحالات كافة، وأعطى القيادة الأعلى الحق في التدخل في الوقت المناسب ووضع الحد اللازم، وإبقاف أي مخالفة للنظام الداخلي للحزب ومبادئه الفكرية والتنظيمية.
7- استناداً إلى ما سبق، فإنني أجد أنه لا ضرورة لانتخاب ثلاثة أضعاف العدد أو ضعفه، وإنما ينتخب المؤتمر العدد المطلوب وبحضور عضو القيادة الأعلى. وبعد الانتخاب مباشرة، يتم اجتماع القيادة المنتخبة وبإشراف الرفيق عضو القيادة لتوزيع المهام بدءاً من أمين المؤسسة إلى آخر عضو فيها، وتبدأ ممارسة مهامها ومن ثم يصدر القرار أصولاً من القيادة التي يجب أن تصدره. وفي هذه الحالة تكون هذه القيادة مسؤولة مسؤولية مباشرة أمام المؤتمر الذي انتخبها، وينعدم أي تأثير للعلاقات الشخصية وتدخلها في تعيين هذا الرفيق أو ذاك، وبالتالي ننتهي مما نسمعه عن كثير من الحالات السلبية التي تشوب مبدأ التعيين، وما يتخللها من فساد مالي وغيره، مؤكدين بذلك الهوية الحقيقية الفكرية والطبقية لحزبنا كونه حزب العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين وصغار الكسبة، ويمكن إن نضيف البورجوازية الصغيرة. ويمكنني القول كرفيق بعثي ومن خلال التجربة أن الانتخابات، بعجرها وبجرها، تبقى الأفضل، وتتقدم على التعيين. وكلنا ثقة في أن الرفيق العام للحزب القائد بشار الأسد صمام أمان مسيرة حزبنا العظيم، كما كان القائد المؤسس صمام الأمان على مدى ثلاثة عقود ونيف من عهد حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي.
د. علي دياب