ثقافةصحيفة البعث

هل انتهى زمن المسرح كفن جماهيري؟

ما من ممثل يستشيط غاضبا على خشبة المسرح اليوم! النصوص المسرحية لا حيل بها لتنهض من منفاها، الإضاءة مكسورة الخاطر والديكورات تغفو في الأقبية الرطبة، “الجدار الرابع” غائبا خلف شاشات الجوالات المتوهجة من شدة “العواجل” التي لا تنتهي؛ إنه يوم المسرح العالمي، المسارح عروش خالية فوق أو تحت أرصفة المدن وشوارعها، وما من أبطال لعروض احتفالية بالمناسبة، ما من عروض أساسا فالحياة تقف على ساق واحدة، حتى أنه من الترف الفائض عن الحاجة، التفكير ولو للحظات بالمسرح وأحواله، بينما الخوف والرعب ورغيف الخبز هم أبطال الحكاية. ثمة مسرحية كبرى تدور أحداثها هذا العام فوق خشبة الحياة، ليس في هذا البلد أو ذاك، بل إن الكرة الأرضية برمتها هي الخشبة الأكبر في التاريخ التي تدور فوقها أحداث هذا العرض الوجودي بما للكلمة من معنى، وإن كان من عنوان يناسب هذا الحدث الذي يتابعه العالم برمته، فربما يكون “تفرقهم العصي ويوحدهم الخوف”! “شكسبير” و”القباني” إن ظهرا بشحمها ولحمها اليوم وفي أهم مسارح العالم، فإن أحدا ما لن يذهب إليهما، حتى ولو تبارزا مسرحيا بسيوف مضيئة –من باب التحديث-ولا مانع من مشاهدتهما لبعض الوقت في حال قاما بتصوير ما يفعلان بكاميرا عالية “البيكسل” وبثا ما صوراه على مختلف وسائط “السوشيال ميديا”، ولسوف يهزم فيلم متواضع الإمكانيات لا تتجاوز مدته خمس دقائق، أهم العروض المسرحية في التاريخ على الخشبة، فهي مكان اجتماع ولقاء للبعض نعم هذا صحيح، لكن هذا الاجتماع في حال وقع، قد يكون كارثيا وقاتلا بما للكلمة من معنى اليوم، وعوض أن يكون الحوار المتبادل بين الحضور هو عن سوية العرض وروعة الأداء أو العكس، ستكون “الكمامات” والمعقمات هي الأهم، فشبح الموت هو الماثل جراء هذا الاجتماع في حال حدث ووقع!

اليوم تثبت الوقائع بما لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من فوقه، ولا حتى من كل الجهات، أن كل عمليات الإنعاش الفني التي تم الاشتغال عليها لإعادة هذا الفن شبه المنقرض إلى الواجهة، غير قادرة على حمل “المسرح” على التعافي من أمراض الشيخوخة والزهايمر الذي أصابه كفن! ففي الوقت الذي انتعشت فيه “الدراما” على الشاشات بمختلف أنواعها “تلفزيون، كمبيوتر، جوال وغيرها”، تنتحب تلك التي كانت لها سطوة الحضور الدافق في ماضٍ من الزمان، وخلا عن بعض “النوستالجيين” الذين يتحدثون عن المسرح وكأنه متحف شخوص وحكايا محض فلكلورية، يخاطبونه بصفة الغائب القديم، يخترعون مواضيع يربطونه بها كي لا يختفي من الوجدان، لا أحد يعنيه الموضوع، وربما يجامل البعض في الذكرى السنوية “لأبي الفنون” –والتسمية غير دقيقة، وهذا موضوع آخر- فيكتب أحدهم من خلف شاشة متوهجة أيضا، بعضا من العبارات المواسية، فهو وحتى إن كان صادقا بما يقول، يُدرك تماما ومن خلال الوسيلة التي يستخدمها لذلك، أن زمن المسرح كفن جماهيري قد ولى، فما جاء بعده من فنون كالسينما والدراما التلفزيونية، قامت بوضعه على “الرف”؛ تلك الفنون هي من تتمتع بصفة “جماهيرية” اليوم، حتى أن أهم الأعمال المسرحية في التاريخ، ستلجأ إلى التلفزيون ليُكتب لها البقاء على قيد الذكرى ولو إلى حين.

نعم هذا كلام قاس عن المسرح، لكن تلك القسوة ليست إلا واقعا وواقعا جدا، والدليل كل مسارح العالم اليوم فارغة تماما حتى من موظفيها، أما الجمهور فهو في مكان آخر تماما، ولربما ظهرت صيحة يائسة من هنا أو هناك تشق هذا المشهد العام ولو للحظات في يوم تأبين المسرح وهي تقول: “عاش المسرح”، قبل أن تذوي دون أن يلتفت لها أحد!

تمّام علي بركات