أخبارزواياصحيفة البعث

كورونا.. منظور معاكس!!

ريناس إبراهيم

باتت التداعيات الخطيرة لانتشار وباء كورونا “كوفيد19” واضحة، بدءاً بأضرار البنى التحتية، لا سيما المرافق الطبية والأنظمة الصحية، وتهديدات للصحة العامة، إلى تزعزع بعض الحكومات والأنظمة السياسية لسوء إدارتها للأزمة، وليس انتهاءً بالآثار الاقتصادية، وخطر الانهيار، لكن أليس هناك مكان في هذه الدوائر المظلمة لبصيص أمل، أو حتى نثرات مشعّة هنا وهناك؟ بالتأكيد، نعم، فهناك بعض الآثار الإيجابية التي خلّفها الوباء على عدّة مستويات، بالابتعاد عن النظرة السوداوية، والنظر إلى جانب أكثر إشراقاً:

مستوى اجتماعي تربوي

في غضون أقل من شهرين على انتشار الوباء في العالم، كانت المحصلة اتخاذ إجراءات لم يسبق لها مثيل. مثلاً، مع انتشار الفيروس وتوقّف المدارس والجامعات عن تقديم الدروس والمحاضرات في القاعات الدرسية، أتيحت الفرصة للتعليم الالكتروني الافتراضي، أو التعليم عن بعد، لفرض أهميته، ولتقوية الثقة بهذا النوع من التعليم، أو بالأحرى الأسلوب، إذ اضطرت مختلف الكليات إلى التواصل الالكتروني مع طلابها. ويعوّل على هذه التجربة – القسرية نوعاً ما – أن تلقي ظلالها على المدى البعيد وتستمر بجهود متضافرة بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وبين الأساتذة. كما أدرك العديد من المؤسسات التعليمية والمنصات الالكترونية أن الفرصة سنحت لها لتضطلع بدورها تحت شعار “خليك بالبيت” نتيجة الخطر الجائح كورونا، فأطلقت مواقعها بشكل مجاني وأتاحت العديد من الدورات التدريبية والتعليمية فوصلت إلى المستخدمين لتجعل أوقاتهم أكثر فائدة وتبعدهم عن مخاطر الصحة النفسية، ولهذا دور في دعم التعلم الذاتي.

وأيضاً، تربية إعلامية قد لا تؤتي ثمارها بشكل واضح على المدى المنظور، لكنها ستساهم في بناء الوعي لدى الأفراد بتكنيكات وسائل الإعلام، إذ بات مستخدمو الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على حافة إدراك مصادر الأخبار وكيفية بناء الخبر الإعلامي، فليس بإمكانك بعد اليوم كصانع محتوى، أو ناشر أو صاحب مؤسسة إعلامية إلا واحترام ذهنية هذا المستخدم أو المشاهد أو المستمع.. عند تقديم قصتك الخبرية، وإلا فلن تحقق الوصول المرجو. هنا يعوّل على المؤسسات الإعلامية المرموقة التي تدرك مسؤوليتها أمام المجتمع، لترشد الجمهور نحو التعامل الصحيح مع الأخبار ودحض الشائعات التي ترهق نفسية الجمهور وتنهك قدراتهم.

مستوى حماية البيئة

ويمكن القول إن جهود علماء البيئة ودعاة حماية الكوكب لم تثمر المستوى المرجوّ على مدى عشرات السنين، لكن فيروسا لا يرى بالعين المجردة أدّى إلى تحسن حالة البيئة بشكل كبير، وتحسّن جودة الهواء، نتيجة توقّف العديد من المنشآت الصناعية والشركات عن العمل، إضافةً إلى توقّف حركة السيارات والمحركات الآلية، إذ قال باحثون إنّ أول أكسيد الكربون، الذي ينبعث بشكل رئيسي من السيارات، قد انخفض بنسبة 50 في المئة تقريباً مقارنة بالعام الماضي.

وأدّى انتشار الفيروس إلى اختبار قدرة الحكومات على الاستجابة للظروف الطارئة وإعادة جدولة أولوياتها وفق المستجدات، ولا سيما مع إعلان منظمة الصحة العالمية أنه لا وقت محدد لانتهاء الجائحة أو انحسارها، هنا كان لزاماً على الحكومات، مع عدم التعميم في ذلك، أن تضع مواجهة خطر كورونا على رأس قائمة أولوياتها، وبات الحفاظ على الصحة العامة والأمان الاجتماعي مسؤولية كبرى أمامها، فهل ستنجح كافة الحكومات في ذلك؟

كما أن الوباء اختبار حقيقي لمستوى الثقة القائمة بين الجهات الحكومية والمواطنين، فهل ستؤدي مواجهة الوباء إلى طردية العلاقة أم عكسيتها؟ زيادة ثقة أم تناقص وربّما انهيار؟

وهنا يقول ارشون فانج أستاذ المواطنة والحكم الذاتي في كلية جون إف كينيدي بجامعة هارفارد: “الفيروس خلق روحاً جديدة من التضامن بين الحكومة والشعب، وأصبح هناك إحساس بأهمية مساندة الحكومة ومساندة الفئات المتضررة من الشعب بسبب الحجر المنزلي”.

أسوأ السيناريوهات

في أسوأ السيناريوهات، توقّعت منظمة العمل الدولية أن يفقد حوالي 25 مليون شخصاً وظائفهم حول العالم إثر جائحة كورونا، ما سيؤثّر على قوة العمل وبالتالي على الإنتاج، وذهب البعض لأبعد من ذلك بتكهّن انهيار أنظمة اقتصادية في حال طال عمر الأزمة، فهل سيحيل الانهيار الاقتصادي، الناتج عن تراجع عجلة الإنتاج وتناقص الموارد، التضامن بين الناس إلى صراع على الموارد؟ أم سيكون المجتمع أكثر وعياً وفي الخلفية جهود الحكومات في حماية التماسك الاجتماعي عبر التوزيع العادل للموارد، ودعم المنشآت والشركات لضمان استمرارية النشاط الاقتصادي.

قيم المواطنة

إن الفيروس لا يفرّق بين عرق أو مذهب أو دين، ومن السذاجة، بل الحماقة، محاولة إلصاق الفيروس بمنطقة أو شعب، فهل سينتج عن مواجهة الفيروس وعي أكبر بضرورة البحث عن عوامل الاجتماع والاتفاق، لا التفرقة، وسيدرك الأفراد في مختلف الجماعات أن التنوع امتياز وعامل قوة لا ضعف، ويتجه المجتمع نحو لملمة أركانه ووضع اختلافاته جانباً لخلق الهوية الجامعة؟ أم ستلقى بعض الدعوات التحريضية رواجاً بين مكوّنات المجتمع، ولا سيما مع عدم يقينية مدة الأزمة وتأثيراتها؟ إذ إنه من المتوقّع، مع تناقص الموارد وتراجع الإنتاج، المترافق مع نمو متباطئ وبطالة مرتفعة، أن يتحوّل الصراع إلى صراع بقاء، وتناحر على الموارد (بالطبع في أسوأ السيناريوهات)، ويندثر بذلك أي حلم بهوية “إنسانية” جامعة.

وإذا كان بإمكاننا بناء سيناريو افتراضي، فإنّ الطبيعة، البيئة، تحاول إيصال رسالة مفادها أن الأمن والاستقرار على هذا الكوكب ليس مسؤولية سياسية ولا مسألة اختصاص حكومي أو جهات محدّدة، إنما هو مسؤولية جماعية يتحمّلها كل فرد بعينه، فمع وباء كورونا أنت أمام خطر في حال عدم التزامك بالقواعد الصحية، ومحيطك كذلك!.

في الختام، وكتساؤل على سبيل هدف منشود: هل “سيلقّننا” كورونا درساً في الالتزام والمسؤولية الاجتماعية؟! أم أن الاستجابة المثالية للبعض لا تعدو كونها ردّة فعل مؤقتة ستندثر حال انحسار الوباء؟