الصفحة الاولىزواياصحيفة البعث

درهم وقاية

محمد كنايسي

من الطبيعي أن يكون فيروس كورونا هو الوجبة المفضلة للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام، فالوباء على أشده، وهو ينتشر بسرعة دراماتيكية في بعض دول العالم، ويمثّل دون شك تهديداً حقيقياً وخطيرا للإنسانية جمعاء..

غير أن ما ينشر عن هذا الفيروس سواء لجهة نشأته أو طبيعته وكل ما يتعلّق بهما، فأمر يستحيل الجزم بصحته، ولا سيما أن المعلومات في هذا المجال نادراً ما تصدر عن جهات متخصصة وموثوقة علمياً. ويكفي هنا أن نتابع ما ينشر عن تكون هذا الفيروس من أسباب دينية وأخرى سياسية وثالثة من تأليف تجار وسائل التواصل الاجتماعي وطالبي الشهرة، لنكتشف بسهولة أنه يفتقر لأي أساس علمي، وأنه نوع بائس من “الضحك على الذقون”، قصد أصحابه أم لم يقصدوا. والغريب أن هذه الروايات المختلقة تجد صدى كبيراً لدى أعداد ليست بالقليلة، ولا سيما من  المستعدين استعداداً ذاتياً لقبول الترّهات من أصحاب العقول المستقيلة الذين أنتجتهم أنظمتنا التربوية والاجتماعية والثقافية المتخلّفة..

 

لندع إذا العلماء وأصحاب الاختصاص يعملون عملهم، ويقولون لنا الكلمة النهائية في هذا الموضوع المصيري الذي لا يحتمل خزعبلات المتفيقهين ولا شعوذة الدجالين ولا كذب المتعالمين ولا فبركات تجار الأوبئة. ولنركز في انتظار الخبر اليقين على ما ينبغي أن نفعل، فهنا على الأقل، ورغم أن الأمر لا يخلو من وصفات بلا قيمة وحتى ضارة، فإن ثمة، عموماً، اتفاقا من قبل العلماء والمتخصصين وأصحاب الخبرة في حقل الأوبئة على أن هناك بعض الاجراءات الأساسية التي لا بد منها للوقاية وهي: البقاء في البيوت وعدم الخروج منها إلا للضرورة القصوى، النظافة العامة والشخصية، تقوية مناعة الجسم، تجنّب البرد وتدفئة الجسم قدر الإمكان. هذه على الأقل اجراءات لا خلاف حولها للوقاية من الفيروس بقطع النظر عن صعوبة تطبيق بعضها لاعتبارات نفسية وسلوكية وحتى مادية، ولا سيما أن الأمر يتعلّق  بتغيير نظام الحياة والتغذية الذي تعوّدنا عليه، والعادة طبيعة ثانية كما يقال. لكن تغيير نظام الحياة – حتى وإن اقتضى تنازلاً عن جزء من الحرية الشخصية، ومهما بدا قاسياً وغير محتمل للبعض – فهو أفضل بما لا يقاس من فقدان الحياة، فضلاً عن أنه تغيير وقائي مؤقّت إلى حين انحسار خطر الوباء..

نعم من أجل الصحة والحياة علينا ألا نتردد في تطبيق تلك الاجراءات الحيوية، حتى وإن مست الحرية الفردية، فالضرورات في الحالة التي نمرّ بها تبيح المحظورات. ويبقى هدف الحياة هو الأهم، إذ إن الحرية هي للأحياء وليست للأموات.

لنبق على قيد الحياة، هذا هو الشعار الذي ينبغي أن نرفعه، ولنتبع سبل الوقاية الناجعة من هذا القاتل المجهول، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج. ولنتذكّر دائماً أننا ننتمي إلى بلدان إمكانياتها الصحية محدودة إذا ما قورنت بالبلدان المتقدّمة، ولذا فإن ورقتنا الرابحة هي الوقاية والوقاية والوقاية. وقد رأينا كيف أن بعض الدول المتقدّمة، ذات الامكانيات الصحية الهائلة، وقعت في المحظور، ولم تستطع مواجهة انتشار الفيروس لأنها تأخّرت في اتخاذ اجراءات الوقاية منه، مما يعني أن الوقاية حتى الآن هي الوسيلة الأنجع للمواجهة، سواء عظمت إمكانيات الدول أو صغرت. على أن الوقاية المطلوبة ليست شأناً فردياً فحسب، بل هي شأن عام يخص سلامة المجتمع كله. ومن هنا فهي ليست مسألة اختيارية، والتقصير فيها يرقى إلى مستوى الجريمة. ومن هنا ضرورة التقيّد بمنع التجوال ووقف التنقّل طواعية، أو عن طريق الإجبار إذا اقتضى الأمر، وهو ما يتطلّب من الحكومة بطبيعة الحال توفير احتياجات المواطن الضرورية، فليس منطقياً أن نطلب من المواطن الالتزام بالبقاء في بيته إذا لم نوفّر له المقوّمات الأساسية للحياة..

هي إذا معادلة وقائية طرفاها الحكومة والمواطن، وهدفها المجتمع. وعلى كل طرف منهما واجبات حيوية لا بد من تنفيذها لإنجاح هذه المعادلة. ونحن أمام اختبار لا بد من الإقرار بصعوبته، فالأمر يتطلّب قدراً كبيراً من الالتزام والانضباط والتضحية، وقدراً كبيراً من الوطنية والأخلاق أيضاً، إذ ان أقل ما يقال عن أنانية وجشع التجار في هذا الظرف العصيب هو أنه جريمة كبرى بحق الوطن والمواطن.. جريمة لابد من ردع مرتكبيها بأكثر العقوبات قسوة وإيلاماً، فهذا أقل ما يستحقه تجار الحروب والأزمات والأوبئة.