تحقيقات

دورا أوروبوس.. آثار الصالحية وهمجية “داعش”

الصالحية مدينة أثرية سورية تقع في منطقة البوكمال، وتضم أول كنيسة منزلية في العالم.
كانت دورا أوربوس مدينة بابلية. ولكن مع سقوط بابل عام 538 ق. م بيد الفرس بقيادة كورش، تشكلت إمبراطورية فارسية على أنقاض إمبراطورية بابل شاملة الهلال الخصيب، وبالتدريج استطاعت أن تضم العالم المتمدن آنذاك الممتد من مصر عبر سورية والمدن الأيونية في آسيا الصغرى إلى البنجاب في الهند. والجدير ذكره هنا أن اللغة الرسمية للإمبراطورية الفارسية كانت اللغة الآرامية، حيث كانت اللغة العالمية آنذاك. وفي العام 333 ق. م ،وقعت معركة أسوس بين الفرس والمقدونيين بقيادة الإسكندر المقدوني، وانتصر المقدونيون لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ المشرق العربي.
أعيد بناء دورا أوروبوس من قبل السلوقيين عام 300 ق. م، وسموها أوروبوس نسبة إلى مدينة في مقدونيا تحمل الإسم نفسه، ومن ثم ضمها الرومان إلى دولتهم عام 165 م، وقاموا بتحصينها قبل أن يحتلها الساسانيون ويدمروها عام 256 م.
ورغم أن تاريخ هذه المدينة تراوح بين البابلية والسلوقية والرومانية، إلا أن ثقافة أهلها بقيت متأثرة بالحضارة السريانية والتدمرية المحيطة بها. لقد استعاض السلوقيون عن تدمر بدورا أوروبوس التي أصبحت المحطة السورية الأولى لطريق الحرير القادم من الصين، ومن ثم إلى حمص، وإلى الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط الذي كان بحق بحيرة سورية كبيرة، حيث أن البحارة السوريين جعلوا منه ليس فقط مكانا لمرور القوافل والمبادلات التجارية من الساحل السوري إلى أوروبا والعالم، بل ملتقى للأفكار والمبتكرات والمعتقدات والتمازج الثقافي.
خلال القرون الثلاثة الأولى من تأسيسها، تحولت دورا أوروبوس إلى مدينة حضارية مهمة امتزجت فيها حضارات العالم القديم بحكم وقوعها على طريق الحرير في وسط سورية، وبالتالي أصبحت مركزا مهما للتجارة والصناعة والزراعة، حيث أصبحت تشرف على الأراضي الخصبة ما بين النهرين، ويدل على ذلك عدد المباني الإدارية المحيطة بالسوق المركزي، إضافة إلى توسيع سور المدينة ليحوي المزيد من البيوت والمباني، والعديد من المعابد المنتشرة في أرجاء المدينة.
خلال الحرب، وبعد سيطرته على المنطقة، قام التنظيم الإرهابي “داعش” بتوظيف عدد كبير من العمال للبحث والتنقيب عن الآثار في همجية لم يشهدها تاريخ العالم، ليحول آثار الصالحية، بتسميتها المحلية المعروفة من أهالي البوكمال وريفها، إلى خرابة مبعثرة الأحجار وقد امتلأت بالحفر والخنادق جراء التنقيب للعثور على الكنوز والتحف، حسب اعتقاد التنظيم الإرهابي الإجرامي، ناهيك عن هدم الأسوار، وما تبقى منها من حجارة تاريخية شاهدة على عظمة أجدادنا وحضارتهم

مساعد العلي