دراسات

أردوغان داعم للإرهاب العالمي

د. معن منيف سليمان

إن استعادة تاريخ أردوغان في علاقاته مع تنظيم “القاعدة” وزعيمه السابق أسامة بن لادن، ثم “جبهة النصرة”، وأبو بكر البغدادي، زعيم “داعش” الإرهابي، تكفي لإثبات أن أردوغان كان يدعم تنظيمي “داعش” و”القاعدة” من خلف الستار منذ سنوات عدّة، ولكنه اضطر الآن أن يخرج من وراء الستار ويظهر ذلك الدور المشبوه الذي كان يشغله منذ سنوات خلت. ففي عام 1976، ذهب بن لادن إلى تركيا حيث بدأ علاقة مبكرة مع التيارات السياسية في أنقرة، حين التقى قيادات حزب نجم الدين أربكان، الذي يعدّ أردوغان أحد أضلاع الجيل الثاني من مريديه. وقد نشرت صحيفة “ستار”، في تموز 2003، صورة تظهر أردوغان وهو يجلس على ركبتيه بجوار مساعد بن لادن، قلب الدين حكمتيار، في حي تشارشامبا بمنطقة فاتح في مدينة إسطنبول.

ومنذ اندلاع شرارة الحرب على سورية، عام 2011، سارعت تركيا إلى دعم تحالف “جبهة النصرة” و”أحرار الشام”، فيما اعترف مسؤولون أتراك بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لمركز قيادة هذا التحالف، وهو ما كشفته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية في 2014.

وفي أواخر تشرين الثاني 2015، اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنقرة مباشرة بمساعدة تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، عبر استخدام الأراضي التركية لتهريب ونقل الأسلحة لهذه الجماعات المتطرفة.

وأكدت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، الاتهامات لنظام أردوغان بإيوائه المتطرفين، بتقرير لها في نيسان 2018، ذكرت فيه أنه، في العام 2013، اجتاز 30 ألف مسلّح الأراضي التركية إلى سورية فيما يُعرف بـ “الطريق الجهادي السريع”. وأشارت إلى أنه تمّ علاج جرحى من عناصر تنظيم “داعش” مجانا في مستشفيات جنوبي شرقي تركيا.

وفي 28 شباط 2018، أكّد الصحفي التركي عبد الله بوزكارت، مدير مكتب صحيفة “زمان توداي” في أنقرة، أن أردوغان بات يهدّد المنطقة بفيضانات من الإجراميين الأوروبيين.

وحذّرت عضو مجلس النواب الأمريكي والمرشحة للانتخابات الرئاسية تولسي غابارد من أن يقدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الدعم لأردوغان، موضحة أنه لا مصلحة للولايات المتحدة ولوسائل إعلامها في دعم جنون العظمة له ولشركائه الإرهابيين التابعين لتنظيم “القاعدة”.

وتعدّ تركيا بالنسبة لتنظيم “داعش” ملاذا ومحطة عبور، والتنظيم موجود في تركيا على شكل أفراد وشبكات عمل تدير الشركات والعملاء وعمليات غسيل الأموال لتكون تركيا بوابة التنظيم أيضا إلى العالم.

ويدعم أردوغان الإرهابيين والمجرمين في سورية ويحاول تحقيق أطماعه الاحتلالية فيها. ولدى الحكومة السورية إحصائيات بعدد الإرهابيين الذين دخلوا سورية من تركيا تحديدا، ومن تلقوا مساعدات تركية عسكرية وتسهيلات لوجستية وتدريبات استخباراتية وعسكرية. وسبق أن نشرت صحيفة “جمهوريت” التركية وثائق سرية حول نقل شاحنات من الأسلحة والذخيرة تعود إلى الاستخبارات التركية كان من المقرّر أن تصل إلى تنظيمات إرهابية تقاتل في سورية، اعترضتها قوة درك تركية قرب الحدود السورية في كانون الثاني 2014.

ويعمل أردوغان على تغيير ديمغرافي في مناطق شمالي شرقي سورية عبر نقل مرتزقته وعائلاتهم إلى تلك المناطق، وهو يرسل إمدادات إلى المجاميع الإرهابية في إدلب لقتال الجيش العربي السوري.. كل هذه المعطيات تثبت بوضوح أن أنقرة لا ولن تلتزم بتعهداتها التي وقّعت عليها في “أستانا” و”سوتشي” فيما يتعلّق بضمان وحدة وسيادة سورية. وتركيا تشارك في اجتماعات “أستانا” بوصفها ضامنة لـ 192 فصيلا مسلّحا عدا “داعش” و”جبهة النصرة”، وهذا دليل على أن أردوغان هو الذي يتبنّى ويدعم الإرهاب.

ومنذ وقت طويل يسعى أردوغان للسيطرة على المنطقة العربية عسكريا بأي شكل من الأشكال، ويستغل الأوضاع في ليبيا، ودعم ميليشيات الإخوان لتمكينهم في الحكم منذ عام 2011، رغم وجود جيش وطني في ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر. وأوضح أردوغان أمام حشدٍ من مؤيّديه أنه أرسل من سمّاهم “مقاتلين من الجيش المحمدي” إلى ليبيا، كما اعترف بسقوط قتلى في صفوف الجنود الأتراك ضمن العمليات الجارية في العاصمة طرابلس.

واعترفت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، في تقرير بتاريخ 23 شباط 2015، بدعم تركيا للإرهاب في ليبيا، خاصة ميليشيات انقلاب “فجر ليبيا”، مشيرة إلى إمداد تركيا للإرهابيين بالسلاح عبر الموانئ الجوية والبحرية.

وحاولت تركيا نقل أسلحة للإرهابيين بليبيا، في 17 كانون الأول 2018، إلا أن أجهزة الأمن بميناء الخمس تمكنت من ضبط صفقة الأسلحة قبل تهريبها إلى الميليشيات، فيما عُرف بـ “سفينة الموت”.

وبحسب تقرير نشره موقع “مونيتور” الأمريكي، في أيار 2019، فإن تركيا غارقة حتى أذنيها في دعم الإرهاب في ليبيا.

وفي تموز 2019، كشف تقرير نشره موقع “نورديك مونيتور” السويدي الأوروبي أن حكومة أردوغان توفّر الحماية للشركات المحلية المتورطة في تهريب الأسلحة إلى ليبيا.

وفي منطقة المتوسط، فإن سياسات أردوغان تهدّد استقرار دول المنطقة، حيث إنّ لتركيا أطماعا في مصادر الطاقة، ذلك أن أردوغان وقّع اتفاقية مع حكومة السراج الليبية، أراد منها منع ترسيم الحدود بين مصر واليونان، ومنع أية إجراءات ترسيم حدود بين قبرص واليونان، وإلغاء الجمهورية القبرصية، وجزيرة كريت، ورودس إحدى الجزر اليونانية الموجودة في البحر المتوسط، وإغفال أية حقوق لقبرص واليونان في منطقة البحر المتوسط بشأن البحث والتنقيب عن الغاز، وقد لقيت هذه الاتفاقية رفضا واستنكارا شديدين من قبل اليونان.

وفي أوروبا، يبثّ أردوغان سمومه عبر انتشار منظمة “ميللي حوروش” التركية المتطرّفة. فقد أكدت دراسة نشرها معهد هدسون الأمريكي للدراسات أن المنظمة هي أكثر التنظيمات المتطرفة تأثيرا في ألمانيا، وواحدة من أهم التنظيمات التي تنشط في الشتات التركي. وفي النمسا، تنشط الحركة تحت اسم “الاتحاد الإسلامي”. وفي إطار مواجهة خطر هذه المنظمة المتطرّفة أصدر البرلمان النمساوي توصية للحكومة بحظرها في البلاد.

إن رعاية أردوغان للإرهاب لا تقتصر على دول الشرق الأوسط المجاورة، بل وصلت إلى عمق أفريقيا. وفي هذا السياق، كشفت وكالة الصحافة الفرنسية تورّط تركيا في إرسال أسلحة إلى فرع “داعش” في أفريقيا، وهو تنظيم “بوكو حرام” الإرهابي في نيجيريا. وكان تقرير لمعهد جيتسون الأمريكي قد حذّر، من خطر الأسلحة التركية التي يتمّ إرسالها إلى نيجيريا، مشيرا إلى أنها “لا تهدف لقتل المسيحيين فقط، بل والمسلمين أيضا”.

وتنشط جماعة “بوكو حرام” التي تضمّ نحو أربعة آلاف مسلّح، وأعلنت مبايعتها لـ “داعش” عام 2015، في شمالي شرقي نيجيريا، حيث أسفر تمرّدها المستمرّ منذ أكثر من عشر سنوات عن سقوط آلاف القتلى ونزوح نحو مليوني شخص، وطالت أعمال عنفها دول الجوار مثل الكاميرون والنيجر وتشاد، ما استدعى تشكيل تحالف عسكري إقليمي من أجل التصدّي لها.

ويتبع لأردوغان العديد من الخلايا الإرهابية في مالي. ولسياساته هناك تأثيرها الخطير على الحرب على الإرهاب في أفريقيا، وفي مالي تحديدا. وقد رُصدت زيارات لوفود سرية من تركيا، إلى النيجر وتشاد، لم تقابل رسميين وإنما قابلت تنظيمات إرهابية في هذه الدول. أما في السودان، فقد فشل أردوغان في التدخل هناك بعد سقوط نظام عمر البشير على إثر احتجاجات 2019.

وفي أستراليا، كشفت الحقائق تمرير متفجرات من تركيا إلى أستراليا لتنفيذ عمليات إرهابية في أستراليا ضدّ أهداف إماراتية.

وفي الباكستان، أوضحت المعلومات عن إنشاء معسكرات تدريب لعناصر “القاعدة” و”السلفية الجهادية” من الأتراك وممن يسمّون بـ “المجاهدين” العرب في منطقة وزيرستان الواقعة شمالي باكستان ليتمّ إرسالهم إلى سورية بعد إتمامهم مدّة التدريب هناك.

ويرغب أردوغان في استغلال أزمة الروهينجا حتى يصل إلى هدفه بقيادة العالم الإسلامي، وأن يوسّع نفوذه ليصل إلى جنوبي آسيا. ففي عام 2017، أطلق الهلال الأحمر التركي مركزا مجتمعيا في كوكس بازار، وأعلن عن نيّته بناء ملاجئ للاجئي الروهينجا في المنطقة. وقد رفضت بنغلادش طلبات الرئيس التركي، حيث تعتقد أن المعسكرات التي تنشئها تركيا قد تصبح حاضنة للجماعات المتطرفة. وقد اتهمت بنغلادش تركيا بتصدير التطرّف إلى جنوبي آسيا ورعاية الجماعة المتطرفة التي تمتلك الأيديولوجية نفسها لجماعة “الإخوان المسلمين” في المنطقة، والمنظمات التابعة لها.

إن للإرهابي أردوغان تاريخا طويلا وحافلا في دعم الإرهاب الذي بدأ بتنظيم “الإخوان”، ووصل إلى التنظيمات المتشددة الأخرى، وإلى الإرهابيين في عدد من الدول، وتمويلهم بالعتاد والسلاح من أجل تنفيذ مشروع الخلافة العثمانية، وفرض السيطرة على المنطقة العربية، ولقد جرّ الطاغية التركي بلاده إلى معركة غير محسوبة بالتوغل في سورية لن يحصد منها سوى الخيبة والخذلان.