ثقافةصحيفة البعث

الطفل صاحب الدموع الطازجة

ربما ما من شخص إلا وشاهد لوحة “الطفل الباكي صاحب الوشاح الأحمر”، التي انتشرت منذ مدة طويلة ولا زالت منشورة على حواف الأرصفة والجدران، لم تفقد شعبيتها بمرور الزمن، وسوف تحملها الكثير من جدران البيوت التي ترى جمالا خاصا في تلك اللوحة، رغم أنها تدفع للحزن.

اللوحة تنسب إمّا إلى الإسباني “براجولين” أو الإيطالي “برونو أماديو” حيث اشتهرا برسمهما للأطفال الباكين، ولكن لماذا يبكي هذا الطفل؟

الطفولة والموت هما الثابتان الوحيدان في حياة جميع البشر، وهذه اللوحة قد تكون أحد ثوابت طفولة الكثيرين منا حيث كانت تزين معظم غرف الاستقبال في بيوتنا وكأن الطفل فيها، فرد من العائلة يشاهد التلفاز ويأكل معنا! ودموعه تلك لأنّه لا يستطيع مشاركتنا اللعب.

تكون الدنيا في خير حال حين ترى رفوف الأطفال تحج صباحاً إلى المدرسة، ويسير الزمن مسالماً في شوارع أية مدينة حين تصبح أراجيح الأطفال في الحدائق العامة كبندول الساعة، لا تتوقف، وتكون الأمور سيئة ومرعبة حين تختفي بسمة أطفال المدينة وحين تسيل الدموع بصمت كما نرى عند طفل هذه اللوحة والّذي يشبه أطفال سورية واليمن العزيز هذه الأيام حين تخلت عنهم إنسانية هذه العالم القاسي، وحين هجرتهم الطفولة برفقة ابتسامتهم الّتي كانت عدوى تنتقل إلى جميع من حولهم.

الطفولة هي الإنسانية، ويفقد المرء إنسانيته حين تصبح طفولته وراءه عندما يكبر جسده ويفقد أحاسيسه رغم تبلور حواسه الخمس، فالطفولة لا تتعلّق بعمر معين بل تتعلق باستمرار وجود الصدق والبراءة والإحساس في المرء وفي بيئة المرء، فما الذي يجعل دموع طفل اللوحة في “اللوحة” تسيل؟

هل هي السترة المقطوعة والملابس الرثة الّتي يرتديها؟ لكن هذه الملابس هي أبسط مشاكله فهي على الأقلّ تقيه برد الطقس وبرد نظرات البشر، حين يبكي طفل بصمت تُعلّق طفولته مؤقّتاً، وقد تجده أكثر حكمة من كهولٍ وشيوخ، ولا يمكن التفكير بأن طفلا كالذي في اللوحة يبكي عدم امتلاكه للألعاب، فدموع الصمت هذه توحي بكارثة حدثت، فالأطفال هم أكثر ما يجعل عدوى الحزن تتسرّب إلينا أيضا.    لوحة الطفل الباكي، توحي بأكثر من جواب عن سبب تلك الدموع الرقيقة التي تنسكب على وجنتيه، ولكن إلى متى ستبقى تلك الدموع طازجة، ولماذا يبكي هذا الطفل في اللوحة؟

تمّام علي بركات