تحقيقاتصحيفة البعث

لتجاوز التحديات المعيشية.. أعمال مهنية في المنازل لإعالة الأسر

مازال بعض الجهات العامة والخاصة يسعى لنشر ثقافة المشاريع المتناهية الصغر لما لها من فؤائد مادية ومعنوية للأسرة، وهي مشاريع لا تتطلب رأس مال أو حتى أدوات أو آلات مكلفة، بل الجهد والإتقان الذي يقدمه الشخص في عمله لمنتج ما. وفي سورية، اشتهرت ربات المنازل بإعالة أسرهن من خلال العديد من الحرف والمهن التي يمكنهن القيام بها مع أطفالهن وعائلاتهن، كالخياطة وصناعة الملابس الصوفية والتطريز وغيرها. وفي ظل المتغيرات وتطور أساليب الحياة، لجأت النساء إلى أعمال بسيطة أخرى كتجهيز الخضار للطبخ، من قبيل حفر الكوسا والباذنجان وتجفيف الملوخية وفرم البقدونس وتقشير الثوم، ثم تغليفها بأكياس شفافة وبيعها في الأسواق.

فرصة 

ويعد سوق الشعلان بدمشق من أهم نوافذ البيع لهذا النوع من المنتجات، حيث يرتاده من ليس لديهم الوقت أو الخبرة الكافية لتحضير هذا النوع من الخضراوات. وهنا توضح المختصة في علم الاجتماع، هبة هندية، أن معظم مستهلكي هذا النوع من الخضراوات الجاهزة هم من الميسورين الذين يفتقدون، بسبب طبيعة عملهم، الوقت الكافي لتجهيز وتجفيف الخضراوات، لذلك فهم يجدون فرصة موفقة في توفر هذا النوع من المنتجات في الأسواق، والذي يسمح لهم بالطبخ في المنزل والابتعاد عن الأكل الجاهز. وتضيف هندية: في المقلب الآخر، فإن هذا النوع من المنتجات يؤمن فرصة عمل حقيقية ومردودا ماديا لعائلة لديها الخبرة والوقت لتصنيع هذه الأصناف من الخضراوات الجاهزة.

غياب المؤشرات

يدخل هذا النوع من الأعمال في ما يسمى “المشاريع متناهية الصغر”، إلا أن تنفيذه يتم ببساطة بالغة ودون تعقيدات إدارية ودراسات جدوى. ومن وجهة نظر اقتصادية، يقر الباحث الاقتصادي عادل الأحمد بدور هذه المشاريع اقتصاديا واجتماعيا، حيث بات العالم يعمل على تقسيم المشاريع على أساس كبيرة، ومتوسطة، وصغيرة، إلا أنه لا توجد معايير موحدة لهذا التقسيم، وكل دولة لها معاييرها الخاصة فيما يمكن أن تطلق عليه مشروعا كبيرا أو متوسطا أو صغيرا. وتزداد مشكلة التعريف مع مصطلح رائج الاستخدام للتعبير عن بعض أصناف المشاريع، وهو “المشروع متناهي الصغر” إذ لا يوجد تعريف محدد لهذا النوع من المشاريع على مستوى مختلف الدول، وحتى ضمن الدولة الواحدة يمكن أن تتباين الآراء في تكوين فهم جامع لها؛ ومع ذلك، نجد الكثير من التوصيفات للمشروع متناهي الصغر. ويوضح الأحمد أن سورية تواجه هذه المشكلة، فالغالب أنه لا توجد أي جهة تمتلك حاليا مؤشرا كميا عن نسبة المشروعات متناهية الصغر إلى إجمالي المشروعات القائمة في البلد.

أهم السمات

تقدر نسبة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سورية بأكثر من 98% قبل الأزمة. ويبدو أن هناك تداخلا في كثير من الأحيان بين المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر بسبب عدم دقة التعريف للفصل بينهما في تلك الفترة، علما أن معظم المشروعات في سورية تراجع من حيث الحجم خلال سنوات الأزمة. ولعل من أهم سمات المشاريع متناهية الصغر عدم حاجتها إلى رأس مال مادي كبير لا سيما في مجال الآلات، حيث تعتمد على وسائل بسيطة نوعا ما، أو كمية قليلة من التجهيزات، وهي ترتكز بشكل رئيسي على الأفكار المبدعة وخبرة صاحب المشروع. ويضيف الأحمد: من السهل تأمين مكان للمشروع، والذي في الأغلب يتداخل مع سكن صاحبه، وقد يكون المكان هو المسكن نفسه؛ كما أن صاحب المشروع هو العامل فيه، ويعاونه في معظم الأحيان أشخاص من عائلته أو من المقربين منه. وتتميز النماذج الرئيسية للمشروع المتناهي الصغر بأنها مشاريع تنتج منتجات محددة وتطرحها في السوق، أي أن صاحب المشروع لا يستهدف زبائن معروفين من قبله، إضافة إلى أن هذه المشاريع قد تنتج منتجات محددة لزبائن تم الاتفاق معهم مسبقا، أي أن هذه المنتجات لا تطرح في السوق كصناعة الصوف والخياطة وغيرها.

آثار سلبية

تنعكس أهمية المشاريع متناهية الصغر في سورية في خلق فرص عمل لدى الباحثين عن عمل بتكلفة قليلة، أي مشاريع تزداد فيها أهمية عنصر العمل والإنتاج والجودة، على أهمية عنصر رأس المال. وهذا يتناسب مع حالة المواطنين السوريين، حيث تقل الإمكانات المادية لدى غير العاملين. ومن إيجابيات هذه المشاريع – بحسب أحد المختصين بهذا النوع من المشاريع – إمكانية نشرها في مختلف المحافظات والمناطق وحتى في أصغر التجمعات السكانية ما يساهم في تحقيق عدالة أكبر لتوزيع الدخل وتقليل معدل الفقر مع تحسين المستوى الصحي لأفراد الأسرة، حيث تمكنهم من الحصول على الرعاية الصحية بسبب تحسين دخلهم وحرصهم على المحافظة على صحتهم باعتبارها أهم ما يملكون لاستمرار العمل. ولكن هناك بعض الآثار السلبية، إذ بينت الدراسة الأولية أن العلاقة عكسية بين المشاريع متناهية الصغر والمستوى التعليمي، ويمكن تفسير ذلك بأن بعض أفراد الأسرة يضطرون لترك التعليم لصالح العمل في هكذا مشاريع.

ميادة حسن