ثقافةصحيفة البعث

شيفرات عاطفية

مكتظة وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت من مفردات الحياة اليومية وانتهى الأمر، الفيس بوك منها بشكل خاص، باعتبار لا يزال الأكثر شعبية بين الناس من بين بقية وسائط السوشيال ميديا، وبشكل لا يصدق، بالعديد من العبارات التي لها شكل نصيحة يوجهنها معشر النساء إلى بعضهن البعض، وكأنها وصايا سرية أو منتهى ما وصلت إليه الحكمة النسوية، في التعبير عن عالم الرجل وصفاته، طباعه وميوله، جوانياته العميقة وما يُظهر منها، وفق تجربة أخرى جرت في مكان مختلف من التاريخ والجغرافيا، مثلا: متى يكذب، متى يصدق، متى هو عاشق، متى هو متكئ على الوهم وهكذا.

المشكلة في كل العبارات التي تُكتب والتي هي في أغلبها منقولة عن الترجمات لجمل إنشائية غربية، وفي أحسن الأحوال عن روائية “الغفلة” السيدة”أحلام مستغانمي”، هي أنها تحمل وعيا مغايرا لوعي الرجل والمرأة في مجتمعاتنا العربية وثقافتها الشعرية العذبة، عبارات ذات طابع استشراقي بحت، تُقيّم العلاقات بين الرجال والنساء وفقا لنظرة أيضا استشراقية باتت مملة، منها على سبيل المثال: “الرجل طفل مزعج، وحين يكف عن الإزعاج، فاعرفي أن ثمة من قدم له الحلوى”، وعلى هذه الشاكلة من هذه العبارات الجاهزة والمعلبة والتي تفرح بها الكثير من السيدات وكأنها لسان حالهن، بعد أن كانت الأغاني العاطفية العربية بأنواعها وباختلاف مضامينها “وصال، فراق، هجر، حب، غيرة، الخ”، هي من تتولى هذه المهمة الجسورة!

شخصيا أجد تلك المستوردة بائتة، مملة ورتيبة، ولو تبقى السيدات العزيزات تعتمدن في إيصال ما يعتمل في دواخلهن، على أغاني “فيروز، أم كلثوم، نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، أسمهان، دورا بندلي، أميمة خليل، وغيرهن”، اعتقد أننا معشر الرجال سنكون اكثر امتنانا لذلك، واعتقد أيضا أن جنسنا “العاطل” كما تصفنه بمناسبة وبدونها، أيضا سيكونون أكثر امتنانا لجهدهن في خيار الانتقاء، فهم يفضلون هذه الرسائل التي تتضمنها أغنية ما، مثل “أسأل روحك، زعلي طول أنا وياك، إيديك بيعطوني الأمان، دزني وأعرف مرامي” وغيرها الكثير، على تلك العبارات المسلوقة والمسحوب منها الروح والدسم العاطفي، وذلك لسبب بسيط، أننا نعرف تماما ما هي الرسالة الصحيحة التي يجب أن تصلنا من أغنية نألفها، وهي تُعبر بحق عن شيء لحوح يجب أن توصلنه ولكن تلميحا لا تصريحا، كعادة العشاق يعني، أما تلك العبارات “المستغانمية”، فصدقا أني أجد فيها ذكورية ألعن وأدق رقبة من كل المجتمع “الذكوري” أينما كان!

قد تبدو هذه الأمنية مخالفة لروح العصر، ولكن من قال إن روح هذا العصر المضطربة تصلح لأن تكون مفرداتها رسائل في شؤون القلب لها دلالاتها المحسومة؟ نعم إنها شيفرات عاطفية، لذا وجب أن تكون أليفة مهما اختلفت مضامينها.

تمّام علي بركات