دراساتصحيفة البعث

التماسك الاجتماعي في سورية

أمجد حامد السعود

يُشير التماسك الاجتماعي إلى شعور مشترك بين أفراد مجتمع، كما أنه مفهوم واسع يشمل جوانب عديدة اعتماداً على معطيات مادية وكمية ومعنوية بعيداً عن أي تمييز أو عنصرية أو عصبية أو تطرف يضر بالتماسك الاجتماعي.

وليس خفياً على أحد مدى التفكك الاجتماعي الذي لحق ببنية المجتمع السوري جراء الحرب الدائرة منذ ما يقارب العشر سنوات، والتي أثرت سلباً على البنية التحتية لأغلب المدن والبلدات في سورية، ولم يقتصر الأمر على الحجر بل طالت البشر أيضاً، فأول من تأثّر بالمفرزات السلبية للحرب الإرهابية الممارسة ضد المجتمع السوري هي بنية الأسرة السورية، وبالتالي المجتمع السوري برمته ، حيث دفعت الحرب المجتمع السوري إلى إعادة تنظيم أولوياته، ودفعت الأفراد إلى إعادة النظر في أهدافهم وسُبل تحقيقها، كما أدت إلى اهتزاز قيمهم ، ونشأت الصراعات النفسية سواء داخل الفرد نفسه أو بينه وبين الآخرين في المجتمع ، وتضاءل إشباع حاجاتهم المختلفة إلى حد كبير ، وباتوا يشعرون بالقلق جرّاء انعدام الشعور بالأمان وارتفاع مطالب الحياة المادية الأمر الذي أضاف أعباء جديدة عليهم مما شجّع على الانطواء وارتفاع معدلات الهجرة الداخلية والخارجية الشرعية وغير الشرعية مما أدى تصدّع التفاعل الاجتماعي السويّ في المجتمع.

والمتتبع لمجريات ما حدث في سورية يمكنه أن يلحظ أنّ هناك ثلاثة محاور شكلت العوامل الأهم التي كانت السبب في حدوث التفكك الاجتماعي:

الموقف السياسي من الحرب:

والتي قسمت وبشكل قسريّ أفراد المجتمع السوري ليتم تصنيف الناس بين معارض للدولة وموال لها، الأمر الذي استتبعه جملة من الاصطفافات في المواقف والمصالح ونمط العلاقات وفقاً لما تمليه هذا الاصطفافات.

وهذا الموقف لم يؤثر فقط على المواقف السياسية وحدها فحسب بل انطلق هذا العامل ليشمل الاصطفاف في المواقف والعلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة، و الذي طال الأقارب والأصدقاء لينشأ عنه تمزيق وتفسخ للنسيج الاجتماعي.

العامل الاقتصادي:

فقد الكثير من المواطنين أعمالهم وبيوتهم وممتلكاتهم وبعضاً من أفراد عائلاتهم جراء إقدام المجموعات الإرهابية المسلحة على إرهابهم، وبثّ الذعر في نفوسهم، ودفعهم لترك كل ممتلكاتهم وسرقة المصانع والمعامل، أو البقاء تحت نيران سيطرتهم ليكونوا وقوداً في حربها مع الدولة، واستتبع هذا الأمر العقوبات الاقتصادية على سورية والتي أثرت على معظم أفراد المجتمع السوري جراء ارتفاع المستوى المعيشي، وعدم التناسب بين الدخل والإنفاق.

العامل الديني:

تلونت الكثير من التيارات والفصائل المعارضة بصبغة إسلامية والاسلام بريء منها، وجميعها كان ذا نزعة إرهابية متطرفة، الأمر الذي أرخى بظلاله على نمط العلاقات الدينية لجهة تقبلها أو رفضها لهذه الفئة حتى داخل التيار المعارض الواحد.

وقد لعبت العوامل السابقة دوراً كبيراً في تفكك الأسرة (بنية ووظائف وعلاقات) مما أدى إلى تصدع بنيان الأسرة والذي انعكس سلبا على مستقبل البنى الاجتماعية في سورية مما يصعب تلافي نتائجه في زمن قصير. إضافة إلى شيوع القطيعة بين الأفراد، وحدوث تغيرات لحقت بالأدوار التي يقوم بها كل عضو من أعضاء الأسرة.وشاعت أشكال الجريمة كالسرقة والاختطاف وتعاطي المخدرات …إلخ، وصحيح أنّ مثل هذه الجرائم لم تكن غائبة عن خارطة الجريمة في المجتمع السوري ولكن نسبة تواجدها تغير إلى الارتفاع الكبير بشكل أصبح يشكّل خطراً يهدد الأمن العام للمجتمع السوري والذي كان يأتي في مراتب متقدمة مقارنة مع بقية الدول ليس العربية وحدها بل الغربية أيضاً وكان الأمن والأمان السمة المميزة للمجتمع السوري. كما ارتفعت معدلات الهجرة بأشكالها المختلفة الداخلية والخارجية الأمر الذي كان له تبعاته على الوضع الداخلي، وخاصة ديموغرافياً. وارتفعت معدلات التسرب المدرسي إما بسبب تدمير البنية التحتية، بشكل مقصود من قبل الإرهابيين، أو الخوف من إرسال الأولاد بسبب استهدافهم للأطفال وهم في المدرسة أو في توقيت خروجهم منها مباشرة. كما تصدعت البنية النفسية للأفراد ، و تضاءلت قيمة الإيثار من قبل البعض لتتصدَّر «الأنا» الفردية على «نحن» الجماعية.

إن التماسك الاجتماعي لا يتحقق إلا بتعاضد جميع مكونات النظام الاجتماعي، وبناء الوعي المجتمعي من خلال التعامل مع قضايا الناس، وإعادة بناء منظومة القيم الاجتماعية الإيجابية وتعزيزها، وتقديم الحلول على مستويات متعددة، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات الخاصة أو مؤسسات الدولة والتعامل مع قضايا المجتمع برؤية نقدية تهدف إلى تعظيم الإيجابي في مجتمعنا ومعالجة السلبي. وضرورة أن يعرف الجميع أدوارهم في معالجة هذه الاختلالات التي أصابت الكثير من جوانب السلوك الاجتماعي، مما يشكّل خطراً على التماسك الاجتماعي.

لابد من العمل للمحافظة على الشخصية الوطنية السورية بالعودة إلى المفاهيم الاجتماعية الأصيلة للمجتمع والسلوكيات المعتدلة التي تحصن الشخصية من خلال إحياء روح المودة والتضامن والشعور بالآخر في أفراحنا وأتراحنا، وتعزيز المواطنة من خلال تحديد ما الذي نريده من المواطن، ومن هنا يتوجب وضع تصور يصف الأمور التي ينبغي التركيز عليها لتهيئة المواطن لأنه الأساس، فإذا تمّ الاتفاق حول صفات المواطن المرغوب، يمكن عندها أن توجيه المناهج والخدمات والقانون على هذا الأساس والبدء بعملية التعافي للبناء الاجتماعي السوري بالشكل السليم.

إنّ المجتمع وتماسكه هو خط دفاع أول لهذا الوطن، فإذا كان هذا المجتمع متراصّا ومتماسكا ومنسجما فإننا نحقق نتيجة دفاعية له، وبالتالي إذا كانت الجبهة متراصة داخلياً يصعب على أيٍّ كان اختراقها، مع التأكيد على أنّ يداً واحدة لا تصفّق، ولا يتحقق الأمل إلا بالشراكة بين جميع مكونات الدولة والمجتمع.